سيدتي ربة المنزل.. فقط كوني أنت


رضوى أسامة

آخر تحديث: الثلاثاء 23 يونيو 2009 - 9:02 م بتوقيت القاهرة

 سرعان ما تحولت صديقاتى إلى ربات بيوت بمجرد الزواج، سواء برغبتهن أو تحت ضغط الزوج، المهم أن كل منهن تخلت عن حلمها الخاص بالعمل وبكل طموحاتها المهنية.

فى الحقيقة لا يمكننى التحدث عن كل ربات البيوت بشكل واحد فلكل منهن نمط معين، حتى بين صديقاتى أو مريضاتى فى العيادة ممن يجلسن فى المنزل فهناك النمط الآمن المستكين أو ما أسميه ربة المنزل بالوراثة. وهى الفتاة التى تربت ووجدت والدتها تجلس فى المنزل واقتنعت من داخلها بحتمية ذلك ولم تفكر فى العمل إلا من باب محاكاة صديقاتها فى أحلامهن، ولى صديقة تمثل هذا النمط، لم تنزعج أبدا من الجلوس فى المنزل وتجد العديد من الأشياء التى يمكنها أن تفعلها فى وقت فراغها. لم أسمعها تشكو قط من وقت فراغ، كل ما تفعله ليس له علاقة بدراسة علم النفس والتى تخصصت فيه فى الدبلومة وما بعدها، فقط تجلس فى المنزل لتحيك الملابس والملاءات لسريرها وسرير طفلها وتطبخ طبخات مختلفة. دوما ترى أن هناك خطا فاصلا بين الأحلام الشخصية قبل الزواج وبعده، ترانى بالفعل مجنونة، ودوما تذكرنى بأننى لو كنت زوجة زوجها لقتلنى خنقا. فى الحقيقية هذه المرأة تحتفظ باستراتيجياتها للتوافق الشخصى، ظللت أستعجب فترة من تحولها المفاجئ من متخصصة ماهرة فى علم النفس إلى ربة منزل!! لكننى وجدت أن اندهاشى هذا يشوبه نظرة استعلائية تجاه ربات البيوت، وظللت أعود لمعنى كلمة ربة منزل، ووجدت أنها تحتوى داخلها على مهام مختلفة لا تنتهى. لا أقصد بالطبع الغسيل والطبخ فقط، لكن مهام أخرى من شأنها تنمية مهاراتها، فمعظم النساء ممن يعملن أيضا يشتركن فى تنفيذ مهام الغسيل والطبخ.

وظللت أتساءل لماذا نحتقر تنمية المهارات اليدوية؟!، فهذه الصديقة التى اختارت أن تنمى مهاراتها فى الخياطة تشبه بشكل ما صديقة أخرى قررت ترك عملها فى السياحة والتفرغ لتنمية مهاراتها فى اللغة الفرنسية والتفرغ للترجمة من البيت وقضاء وقت أطول فى القراءة والاستمتاع.

تتشابه الصديقتان رغم اختلافهما فى أنماط شخصياتهما، لكن يكمن التشابه فى قرارهما بالاستفادة بالوقت فى زيادة توافقهما الشخصى.

وتختلف كلتا الصديقتين عن نمط آخر من ربات البيوت وهى صديقة ثالثة تتعدد لديها الأحلام والطموحات وتظل تمنى نفسها بحدوثها دون فعل أى شىء، أجدها وقد حدثتنى فى التليفون لمدة لا تقل عن الساعة وهى تحكى عن تفاصيل مشروعها الجديد الذى سينتشلها من الفراغ القاتل، لكنها فى المكالمة التالية تكون قد نسيته تماما لتستطرد فى عرض تفاصيل مشروع آخر.

دوما ناقمة على نفسها وتنتظر المزيد من اللا شىء، تنظر لأحلام المراهقة على أنها مجرد أحلام لا تسعى لتحقيقها، تنظر إلى الواقع ولظروفه على أنه محبط ومعيق لها، لم تحاول أن تتصالح مع الظروف، وإن حاولت فهو لفترة وجيزة. هذا النمط من السلوك شكلى لا يشوبه أى عمق.

لست ضد أو مع اتخاذ قرار بالمكوث فى المنزل وترك الوظيفة، لكننى ضد ترك الإنسان لنفسه دون تنمية مهارات وتكوين أحلام. أتذكر إحدى قريباتى والتى أجبرها زوجها على المكوث فى المنزل لرعاية الأبناء لكنها من نمط الشخصية الذى يسعى لتطوير نفسه ولأن لديها توافقا شخصيا كبيرا ظلت تنمى طوال حياتها مهارات عديدة من تعلم للقيادة وللغة وعلوم الفقه والقرآن والمواظبة على التمارين الرياضية فى النادى، وتحولت حياتها إلى شعلة من تنمية المهارات.

لا أتخيل نفسى وقد جلست فى المنزل، دونما يرتبط عملى بالتعامل مع الآخر وسماع مشكلاته، لكنى أظن أنه لو اضطررت لأى سبب إلى ترك العمل لفترة سأجد أشياء ومهارات أنميها، ربما أستمع إلى مشاكل الجيران ومساعدتهم بشكل متخصص فى حلها.. لا أعرف.

لا توجد مهارات ضئيلة القيمة ومهارات مرتفعة القيمة، هناك حياة نعيشها وتحتاج لأكبر قدر من التوافق معها، اصنعى لحياتك معنى يخصك، افهمى ماذا تعنى الحياة لكى ولا تستسلمى لآلية «أهى عيشة والسلام» كثيرا ما نخوض معارك لا نؤمن بها حقيقة، كثيرات يعملن بدون هدف حقيقى، وكثيرات يمكثن فى المنزل بأشكال ومعان مختلفة، ليست العبرة فى كونك ربة منزل أم امرأة عاملة، لكن المعنى يكمن فيما تختارين من معانى ستعيشين من أجلها ومهارات اخترتى أن تنميها، سواء كانت كتابة القصة والشعر أم تطريز ملاءات سريرك بشكل يخصك.. فقط كونى أنت.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved