البعبع
غادة عبد العال
آخر تحديث:
الأربعاء 23 يونيو 2010 - 11:18 ص
بتوقيت القاهرة
نحو أسبوعين وما زالت مصر رهينة ذلك المجرم العتيد أسود القلب منزوع الشفقة المتهم الأول والأخير فى قضية تعكير صفو حياة المصريين والمتسبب الرئيسى فى تدمير أعصابهم، ذلك المجرم المسمى: بعبع الثانوية العامة.
فى وقت الثانوية العامة لا صوت يعلو فوق صوت الممتحنين، تكرس لهم برامج تليفزيون وصفحات جرائد، يخطب ودهم وزراء وأعضاء مجلس شعب، تستهدفهم حملات إعلانية وانتخابية ويعمل على راحتهم كل من يمت لهم بصلة، بالطبع قد مررت بتلك التجربة، مادمت مصرية نشأت وترعرعت على أرض مصر وشربت من نيلها وجربت (من غلبى) أغنيلها يبقى أكيد أخدت ثانوية عامة، كنت أنا و11 من جيرانى فى نفس الشارع طلبة ثانوية فى نفس العام..
طبعا الشارع كله هس.. مافيش نفس.. فقد تعلم كل الساكنين فى شارعنا الصغير إشارات الصم والبكم حتى لا تتسبب أصواتهم فى إزعاجنا واكتسب كل القاطنين فى الشارع مهارة راقصى البولشوى جراء اضطرارهم للسير على أطراف أصابعهم وكل منهم حريص على ألا يمس نفسيتنا المتعبة حتى لا يتسبب فى إصابة أحدنا بانهيار عصبى أو حالة من حالات الفصام،
فهمنا جميعا الوضع وتعامل الأذكياء منا مع المسألة باحتراف وحصلوا على مكاسب ليست لها أول من آخر، استطاعت دينا مثلا تقليب أهلها فى غويشتين دهب بعد أن ادعت أن نجاحها فى العربى يتوقف على سماع أصوات «شخشختهم» فى ذراعها، استطاع محيى أن يدخل إلى عصر التكنولوجيا على جهاز «أتارى» بعد أن أقنع والديه أنه مفيد جدا فى دراسة الهندسة الفراغية، استطاعت رانيا أن تجبر والدتها على ذبح كل بط المنطقة فهى تقوم بمجهود ذهنى جبار يتطلب أن يكون البط هو غداء كل يوم، أما أعظم انتصارات المرحلة فكان لهشام الذى استطاع أن يدفع والدته إلى طرد والده خارج المنزل «عشان الولد بيحب يذاكر بالليل وصوت شخيرك بيزعجه»!
فقضى هشام أياما من الحرية لم يكن ليطولها طول ما باباه جوا البيت. تفانى الأهل فى خدمة أبنائهم حتى أوصلوهم لباب اللجنة وانتظروهم خارجها وكالعادة بدأ موسم الانهيارات والإغماءات وبدأت الدعاوى تنزل ترف على رأس الوزير والحكومة والبلد اللى بتاكل عيالها.. وأبص للى بينهاروا وأتغاظ عشان ماحدش من أهلى جه معايا.. ما هو أنت تنهار وتقع على الأرض إزاى لما انت عارف إن مافيش حد هيشيلك؟.. وأتعجب من الأمهات اللى مقهورين قهر حسن شحاتة يوم ماتش الجزائر.. «يا طنط هشام كان جايب فى الإعدادية 60% ما كانش متوقع يدخل طب يعنى»..
فترد بشراسة: «وما يدخلش ليه يا حبيبتى؟ اللى بيدخلوا يعنى أحسن منه والا إيه؟» وأتكتم وأسكت هو أنا نفسيتى حمل بونية ولا شلوط؟ أنا فى ثانوية عامة يا ناس. الآن وقد ابتعدت عن كل تلك الدراما لا أدرى لماذا تتكرر هذه الهستيريا كل عام، ولماذا لا يدرك الجميع أن مجموع الثانوية لا يحدد مستقبل أحد؟ «دينا» جارتى مثلا تخرجت بتفوق فى كلية العلوم وحصلت على بعثة للدراسة فى ألمانيا وستعود وهى تحمل درجة الدكتوراه، «رانيا» تخرجت فى الفنون الجميلة وأصبحت مهندسة ديكور أجرها عن تجهيز الشقة الواحدة مبلغا يتكون من خمسة أرقام.
«محيى» بعد أن تخرج فى «تجارة إنجليش» يعمل الآن فى بنك دولى وإذا وقفت فى شارعنا أثناء مروره بسيارته الفخمة فستشعر بالنار تأكل قلوبنا جمعاء، أما «هشام» فقد تخرج فى كلية التربية وشغال دروس خصوصية زى النار.. يمتلك عمارة من 9 أدوار يرفض أن يسكنها أى من خريجى كليات القمة لأنهم على حسب تعبيره «ما يقدروش على مهرها».. أحمد زويل خريج علوم، يحيى الجمل خريج حقوق ونجيب محفوظ خريج آداب..
يجب أن يدرك الجميع أن أى شخص يمكنه أن يحقق النجاح فى أى مجال، فقط يجب أن يسعى وأن تكون إمكاناته مناسبة لدراسته، وإذا لم تكن هناك فرصة للنجاح وكان مستقبل البلد مظلما كما يتوقع الجميع.. فمش فارقة بأه خريجين كليات قمة من قاع فكلنا فى النهاية سنكون على مقهى العاطلين سواء.