انتخابات إثيوبيا صورية

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الثلاثاء 23 يونيو 2015 - 10:45 ص بتوقيت القاهرة

نشر موقع يوريشيا ريفيو، مقالا لجراهام بيبلز، وهو كاتب مستقل ومدير «ذا كرييت تراست»، المؤسسة الخيرية المسجلة فى المملكة المتحدة. وتولى إدارة مشروعات تعليمية وبرامج تدريب المعلمين فى فلسطين والهند وإثيوبيا، حيث أمضى عامين من العمل مع الأطفال والشباب والنساء، والفقراء فى أديس أبابا، يحلل فيه الوضع فى إثيوبيا بعد الانتخابات الأخيرة.

يستهل الكاتب المقال، بالإشارة إلى أن الشعب الإثيوبى يتوجه كل خمس سنوات بدعوة من الحزب الحاكم، إلى المشاركة فى عرض ديمقراطى صامت يسمى «الانتخابات العامة». وشهد الأحد 24 مايو، أحدث عرض من هذا النوع على الساحة الوطنية.

ومع وجود معظم قادة الأحزاب المعارضة إما فى السجن أو فى الخارج، يعيش السكان تحت وطأة الخوف الخانق، وبعد أن سيطر الحزب الحاكم بشكل كامل على وسائل الإعلام، كانت نتيجة الانتخابات محسومة. ورفض الاتحاد الأوروبى، الذى راقب انتخابات 2005 و2010، إرسال وفد هذه المرة، على أساس أن وجوده سيكون إضفاء للشرعية على مهزلة، وإعطاء مصداقية للحكومة.

ومع حساب معظم الأصوات، أعلن المجلس القومى للانتخابات فى إثيوبيا، عن حصول الحزب الحاكم على 442 مقعدا «من اجمالى 547 مقعدا» تاركا المعارضة خالية الوفاض. ولم تعلن حتى الآن نتيجة المائة وخمس مقاعد الباقية. وكما أوضح ميريرا جودينا رئيس مؤتمر أورومو الاتحادى «لا يعتبر تعبير «فاز» وصفا دقيقا لنتيجة الانتخابات، فقد كانت عملية سطو مسلح».

***

ويوضح بيبلز، أن الأيام التى سبقت الانتخابات شهدت استعراضا صادما من غطرسة وبارانويا الدولة، كما نشرت الحكومة أعدادا كبيرة من أفراد الأمن فى الزى المموه والدبابات فى شوارع أديس أبابا وبحر دار. وقبل ذلك بعدة أشهر كان قد تم اعتقال أى شخص يشتبه فى كونه معارضا سياسيا. وتم بهمة تلفيق التهم التى تستحق حكما مشددا من المحاكم، التى تعمل كامتداد للحكومة.
وعلى الرغم من ادعاءات الحزب الحاكم بعكس ذلك، لم تكن تلك انتخابات ديمقراطية، كما أن إثيوبيا ليست، كما أنها لم تكن أبدا دولة ديمقراطية.

حيث تحكم البلد ديكتاتورية وحشية فى شكل الجبهة الإثيوبية الشعبية الثورية الديمقراطية، التى ظلت فى السلطة منذ عام 1991، عندما أطاحت بعنف لنظام «ديرج» القمعى. وتتحدث الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية بسخاء عن الديمقراطية والحرية، ولكنها تمارس انتهاكات للمبادئ الديمقراطية، وتدوس على حقوق الإنسان العالمية، وتتجاهل القانون الدولى، وتفرض سيطرتها على الناس بالعنف.

وتدرك الهيئات الدولية المستقلة والجهات المانحة ـ من هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية إلى الاتحاد الأوروبى ووزارة الخارجية الأمريكية ـ طبيعة وأساليب الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية، التى تعد واحدة من أكثر الأنظمة قمعا فى أفريقيا. وذكرت لجنة حماية الصحفيين، إن اثيوبيا «رابع أكثر الدول رقابة مشددة فى العالم»، حيث يزيد عدد الصحفيين الذين أجبروا على مغادرة البلاد فى العام الماضى عن أى مكان آخر باستثناء ايران.

***

ويكشف الكاتب، أنه خلال الفترة التى سبقت الانتخابات الأخيرة، وجدت لجنة حماية الصحفيين، أن «الدولة انتهجت ممارسات صارمة ضد الصحف المستقلة المتبقية فى البلاد من خلال اعتقال الصحفيين وترهيب شركات الطباعة والتوزيع، ورفع دعاوى قضائية ضد رؤساء التحرير والناشرين مما اضطرهم إلى وقف الإصدار». «وتستخدم العديد من القوانين الصارمة لإسكات وسائل الإعلام وخنق المعارضة، وإعلان مكافحة الإرهاب، كونها السلاح السائد الأكثر شيوعا ضد كل من يجرؤ على التحدث علنا ضد الحكومة التى تحكم من خلال الخوف، ولكنها مثقلة بالإحساس بالذنب، لأنها تبدو خائفة بلا شك».

***

ويشير بيبلز، إلى أن الحكومة تتحدث بالكثير من الفخر عن التنمية الاقتصادية، التى تعتقد أنها أكثر أهمية من الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، وجميعها أمور غائبة عن البلاد. صحيح أن البلاد شهدت خلال العقد الماضى تنمية اقتصادية، وبلغ نمو لناتج المحلى الإجمالى ما بين 4٪و 9٪، وأوضحت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سى آى إيه» أن ذلك تحقق «من خلال توسع الحكومة فى البنية التحتية والتنمية الزراعية بهدف التجارة». ومع ذلك يوضح معهد أوكلاند، أنه النمو الذى يعتمد على «قوة الدولة والحرمان من حقوق الإنسان والحقوق المدنية».

وتعتبر بيانات الناتج المحلى الإجمالى، مؤشرا واحدا فقط من مؤشرات التقدم فى أى بلد، وهى مؤشر ضيق جدا. غير أن الصورة الاثيوبية الأوسع نطاقا، التى تتجاوز الإحصاءات القابلة للنقاش، ترسم صورة أقل وردية: يعتمد نحو 50٪ من الموازنة العامة الاتحادية لإثيوبيا على حزم مساعدات مختلفة، بلغ مجموعها ٣‪.‬٥ مليار دولار سنويا. مما يجعلها «ثانى أكبر متلق للمساعدات الخارجية فى العالم، بعد إندونيسيا» «باستثناء الدول التى مزقتها الحروب؛ أفغانستان والعراق». ولا تزال البلاد فى المركز 173 «من 187 بلدا» على مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، وتعد من أفقر الدول فى العالم، حيث تقول وكالة المخابرات المركزية، إن أكثر من 39٪ من السكان يعيشون تحت مستوى الحد الأدنى لخط الفقر، بواقع 1.25 دولار فى اليوم «حدد البنك الدولى خط الفقر فى جميع أنحاء العالم عند دولارين يوميا». ويعتبر نصيب الفرد من الدخل من بين أدنى المعدلات فى العالم، وأقل من نصف المتوسط فى بقية بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وفقا للبنك الدولى، «470 دولارا» «٢٨٧ يورو». وهذه الإحصائية أيضا مشكوك فيها، ويوضح الدكتور دانيال تيفيرا «أستاذ الاقتصاد الفخرى فى جامعة ولاية فيريس»، قائلا: «فى 2008ــ2011 كان دخل الفرد «بعد حساب التضخم» 131 دولارا فحسب»، خلافا لتقرير صندوق النقد الدولى «2013»، الذى حدد الرقم عند 320 دولارا.

وقد ارتفعت تكاليف المعيشة بشكل حاد «تبلغ نسبة التضخم الحالية نحو 8٪»، وكما ذكرت صحيفة الجارديان، «يهدد تزايد التفاوت فى الدخل بتقويض الاستقرار السياسى والشرعية الشعبية بينما تحتاجهما الدولة التنموية بشدة. ويعتبر تحديد المستفيد من النمو الاقتصادى قضية يثار جدل كبير عليها كثيرا فى إثيوبيا المعاصرة «لكن غالبية الإثيوبيين يعرفون جيدا أن الفائزين بالثروة هم كما هو الحال دائما نسبة الواحد فى المائة، الذين يجلسون فى مقاعد السلطة، ولديهم التعليم والأموال للاستفادة من الاستثمارات الأجنبية وفرص التنمية». ومن بين أولئك الذين يعانون نتيجة لسياسات التنمية الحكومية ١‪.‬٥ مليون مواطن مهددين بالتهجير مع «انتزاع» أراضيهم منهم، وتحويلها إلى مزارع تابعة للشركات الأجنبية متعددة الجنسيات التى لا تنتج المحاصيل، من أجل السكان المحليين، ولكن للمستهلكين فى بلدانها الأصلية ــ الهند أو الصين على سبيل المثال.

وقد تم اقتياد السكان الأصليين الذين اقتلعوا من أراضيهم إلى معسكرات تحت برنامج الحكومة «لإنشاء القرى» الذى وجهت إليه انتقادات عالمية، الأمر الذى يتسبب فى تآكل أساليب الحياة القديمة، وأدى كما اوضح معهد أوكلاند، إلى «زيادة انعدام الأمن الغذائى، وتدمير سبل العيش، وفقدان التراث الثقافى». وقوبلت أى مقاومة بالضرب بهراوة خشبية أو بعقب بندقية أو رصاصة. وانتشرت على نطاق واسع أنباء عن الضرب والتعذيب والاغتصاب من قبل قوات الأمن. ولم تدفع أى تعويضات للمتضررين الذين تركوا فى مخيمات تفتقر إلى الخدمات الأساسية، مثل مرافق المياه والرعاية الصحية والتعليم ــ وكلها خدمات وعدت بها الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية فى خطابها الأجوف عن التطوير.

***

ويرى الكاتب، أن التنمية الاقتصادية لا تعتبر ديمقراطية، وفى حين من الواضح أن التنمية ضرورية لمعالجة مستويات الفقر الرهيبة فى إثيوبيا، فإنه يجب أن تكون تنمية مستدامة ديمقراطية. وينبغى أن تراعى أولا وقبل كل شىء حقوق الإنسان، ويجب أن تكون هناك مشاركة وتشاور، فعلى الرغم من تصريحات رئيس الوزراء هيلى مريم ديسالجن لقناة الجزيرة «إننا نجعل شعبنا جزءا لا يتجزأ من كل المشاورات التنموية» «إلا أن ذلك لم يحدث أبدا».

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء يصف إثيوبيا بأنها «الديمقراطية الوليدة»، وتقول الحكومة، إنها «على الطريق الصحيح لتطبيق الديمقراطية فى البلاد»، إلا أن هذا هراء. حيث تتجذر الديمقراطية فى احترام حقوق الإنسان، وحرية التعبير وسيادة القانون والمشاركة الاجتماعية. ولا يمكن حاليا العثور على أى من هذه القيم فى إثيوبيا.

***

ويختتم بيبلز المقال بقوله، إن الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية لا تحرم الناس من حقوقهم الإنسانية الأساسية، فحسب، لكنها فى العديد من المناطق تقترف أعمال إرهاب الدولة «على سبيل المثال، التجاوزات الحاصلة فى إقليم أوجادين والفظائع التى ترتكب ضد شعب الأورومو على سبيل المثال» وتصل إلى مرتبة جرائم ضد الإنسانية.

وكانت الانتخابات الأخيرة إهانة لشعب إثيوبيا، الذى يتعرض للترهيب والاعتداء من قبل النظام المتغطرس الغاشم الذى يتحدث عن الديمقراطية، ولكنه ينتهك فعليا جميع المثل الديمقراطية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved