تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد فى المملكة العربية السعودية كان فقط مسألة وقت. فـ«الولد» الذى سيحتفل فى آب/أغسطس المقبل بعيد ميلاده الـ32 هو أصلا الحاكم الفعلى للمملكة، وهو الحاكم الآمر فى كل ما له علاقة بالسياسة الخارجية، والتقدير أنه خلال وقت لن يطول سيستقيل الملك سلمان المريض من منصبه وسيسلمه إلى ابنه.
خلال عامين ونصف العام، ومنذ تنصيب الملك سلمان ملكا، جرت تهيئة ابنه لوراثة مهماته الرفيعة، سواء كمبعوث فى مهمات سياسية قام بها نيابة عن والده، أو عندما بادر وخطط ونفذ (بطريقة لم تكن ناجحة بصورة خاصة) حرب اليمن، بصفته وزيرا للدفاع.
وإذا كان فى بداية مسيرته الرسمية من أشرف على العلاقات مع الإدارة الأمريكية وخاصة مع الـ سى. آى. إى هو، ابن عمه محمد بن نايف ابن وزير الداخلية السابق، فإن بن نايف نُحى جانبا، وخلال زمن قصير فهمت الإدارة الأمريكية بدقة من هو الرجل القوى فى المملكة. وتحول محمد بن سلمان إلى رجل الاتصال ليس فقط مع الإدارة الأمريكية بل أيضا مع روسيا بوتين، الذى التقى ولى العهد الجديد عدة مرات كى ينسق معه السياسة إزاء سورية وإيران.
حتى الآن، كان محمد بن سلمان بشرى جيدة لإسرائيل والولايات المتحدة، ومواقفه الحازمة ضد إيران تجعله شريكا استراتيجيا مهما، ليس فى الصراع ضد إيران فحسب، بل وأيضا لأن بن سلمان يتفق مع الإدارة الأمريكية على ضرورة كبح النفوذ الروسى فى المنطقة، وإسقاط نظام الأسد، والعمل بحزم ضد داعش وتنظيمات راديكالية أخرى من الإخوان المسلمين إلى حزب الله.
فى العامين الماضيين، تحدثت تقارير فى مواقع عربية عن لقاءات جرت بين مسئولين سعوديين ومسئولين إسرائيليين. ووفقا لهذه التقارير، ففى سنة 2015 جرى مثل هذه اللقاءات فى إيلات، كما جرى لقاء آخر على هامش القمة العربية التى انعقدت فى الأردن فى آذار/مارس، كما تجرى اجتماعات منتظمة بين ضباط سعوديين وإسرائيليين فى إطار غرفة الحرب المشتركة بين الأردن والسعودية والولايات المتحدة، من أجل تنسيق عمل الميليشيات.
مثل هذه الاجتماعات تتطلب موافقة بن سلمان بصفته وزيرا للدفاع. والشيء الذى لا يزال غير معروف حتى الآن هو: إلى أى حد يستطيع ويرغب بن سلمان فى الدفع قدما بعملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين كجزء من خطة الرئيس ترامب؟ وهل سيكون قادرا على إحداث انعطافة فى شبكة العلاقات بين إسرائيل والسعودية؟
هذا الأسبوع نشر صاحب المدونة السعودى المعروف باسم «مجتهد» سلسلة تغريدات على حسابه فى تويتر، كشف فيها «مؤامرة» مشتركة بين الأمير بن سلمان وولى العهد فى أبو ظبى محمد بن زايد، لإحداث انقلاب فى قطر. وكتب مجتهد الذى اتضح أن أكثر تغريداته صحيحة وتستند على ما يبدو إلى مصادر من داخل بلاط المملكة السعودية، أن وليى العهد كانا ينويان إرسال مرتزقة من شركة «بلاك ووتر» المشهورة بعملياتها فى العراق، مع قوات من دول اتحاد الإمارات، إلى قطر، من أجل السيطرة على الحكم وتعيين شخص موال للسعودية من عائلة آل ثانى، العائلة الحاكمة فى قطر. وبحسب «مجتهد»، فإن الرجلين أملا بهذه الطريقة إنهاء الأزمة مع قطر وإخضاعها لمشيئة السعودية. ووفقا لصاحب المدونة، فإن الولايات المتحدة هى التى ضغطت بصورة غير مباشرة لوقف المؤامرة.
حتى الآن ليس هناك ما يدعم صحة هذه المعلومات، ولا يوجد دليل على أن هذه التغريدات استندت إلى وقائع حقيقية. لكن الأمر الذى لا شك فيه هو عمق العلاقة التى تربط بين ولى العهد السعودى وولى العهد الإمارتى، علاقة تكرّس بينهما تحالف شباب يؤمن بالرسالة العالمية، أو على الأقل العربية، الملقاة على أكتافهم، وأنه ليس هناك أحد غيرهم يستطيع إدارة الشرق الأوسط. وهؤلاء هم جيل جديد، ينتمى إليه أيضا حاكم قطر، تميم بن حمد آل ثانى، الذى عمره 37 عاما، إنه جيل وصل متأخرا إلى الحكم فى دول الخليج، بعد أن سبقه زعماء شباب فى المغرب والأردن وسورية.
الأسلوب الحاد فى إدارة السياسة الخارجية السعودية شعر به جيدا زعماء عرب مثل الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، وعبدالله ملك الأردن، اللذين تلقيا انتقادات سعودية على «سلوكهما» وحتى عوقبا عليه. فقد توقف تزويد مصر بالنفط قبل نصف سنة بسبب تأييدها القرار الروسى المقدم بشأن سورية، وبسبب ما اعتبرته السعودية تراجعا مصريا عن قرار نقل جزيرتى صنافير وتيران فى البحر الأحمر إليها. كما جرى تجميد المساعدة السعودية للأردن بسبب رفضه السماح لقوات من الخليج بالتحرك داخل أراضيه ضد قوات سورية. لكن الضربة الأقسى تلقتها بالتأكيد قطر، التى اعتبرت «دولة غير مرغوب فيها» بين دول الخليج ومصر واليمن والأردن. والحصار البرى والجوى اللذان فُرضا عليها تحولا إلى حصار اقتصادى. وفى جميع هذه القرارات كان ولى العهد السعودى هو القوة الدافعة، وكل ما هو مطلوب حصوله على الموافقة الشكلية لوالده.
ليس من المتوقع أن يثير التعيين الجديد الذى حظى بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشورى ومن صلاحياته بحسب القانون الموافقة على تعيين أولياء العهد، اضطرابات جديدة فى المملكة. وقد استُدعى معارضون محتملون إلى «محادثة» فى قصر الملك. أما وزير الداخلية الجديد عبدالعزيز بن سعود، فهو أيضا شاب فى الـ34 من عمره ومقرب جدا من بن سلمان، وهو سيكون المسئول من الآن عن إدارة الصراع ضد الإرهاب الداخلى وسيكون مساعدا لولى العهد فى كل ما يتعلق بقمع التخريب. وبهدف إشاعة الارتياح بين مواطنى المملكة بمناسبة التغيير، أعلن الملك سلمان تمديد عطلة عيد الفطر أسبوعا إضافيا، وكذلك إعادة دفع المكافآت المالية التى توقفت فى الفترة الأخيرة إلى موظفى الدولة وعناصر الجيش. إن تقديم زيادات مالية كان ولا يزال أداة ثابتة ومضمونة للمحافظة على الهدوء فى المملكة.
تسفى برئيل
محلل سياسى
هاآرتس
نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية