دور المؤتمرات العلمية
محمد زهران
آخر تحديث:
الأحد 23 يونيو 2019 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
أكتب هذا المقال عشية سفري إلى مؤتمر سنوي كبير في مجال تخصصي، أحرص كل سنة على حضور هذا المؤتمر كلما أمكن ذلك وهذه السنة تشهد حدثاً يحدث مرة كل أربع سنوات في مجال التخصص وهو تنظيم من 11 إلى 13 مؤتمراً في نفس الوقت والمكان، هذه المؤتمرات في مجالي العام وهو علوم الكمبيوتر وكل مؤتمر منهم يركز على تخصص دقيق فالمؤتمر الذي أزمع حضوره هو عن تصميم الكمبيوتر وهناك مؤتمر عن تصميم لغات البرمجة وثالث عن الخوارزميات ورابع عن أجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة وهكذا، الغرض من جمع كل تلك المؤتمرات في مكان وميعاد واحد هو إعطاء الفرصة للباحثين من شتى التخصصات المختلفة في التخصص الدقيق المتشابهة في التخصص العام للنقاش مع بعضهم، هذا النقاش قد ينتج أفكاراً جديدة عابرة للتخصصات قد لا يصل لها باحثون في تخصص واحد، يحدث ذلك كل أربع سنوات نظراً لصعوبة تنظيم اجتماع بهذا الحجم خاصة أن لكل مؤتمر رئيساً ولجنة تحكيم ولجنة منظمة، وأنا أحضِر نفسي لهذا المؤتمر أخذت أفكر في أهمية تلك المؤتمرات بالنسبة لمصر وكيف نستفيد منها .. هذا موضوع مقالنا اليوم والذي ينضم لقالتين سابقتين تكلمنا فيهما عن المؤتمرات العلمية (هنا وهنا).
كاتب هذه السطور كان له الحظ في حضور العديد من المؤتمرات العلمية في مصر وخارجها وفي هذا المقال سنقوم بإعطاء بعض الملاحظات على المؤتمرات في مصر، من العلامات المضيئة (جداً) في هذه المؤتمرات الطلبة سواء في مرحلة البكالوريوس أو الدراسات العليا، من يأتي منهم لهذه المؤتمرات لأول مرة يكون متحمساً جداُ للتحدث مع الجميع وحضور تقديمات الأبحاث وإلقاء بعض الأسئلة، ومن له خبرة منهم في حضور تلك المؤتمرات يحرص على التحدث مع العلماء القادمين من الخارج والبقاء على إتصال معهم ومنهم من يلقي بحث وترى حماسته وهو يشرح عمله (استخدم المذكر في هذه الكلمات لكني أقصد المذكر والمؤنث)، في أغلب الأوقات يكون المؤتمر منظماً تنظيماً جيداً.
نأتي الآن إلى السلبيات: أولاً لماذا يجب تنظيم مؤتمر علمي في فندق خمس نجوم ودفع مبالغ طائلة في سبيل ذلك؟ هل لإبهار الأجانب؟ ماذا لو تم تنظيم تلك المؤتمرات في الجامعات المصرية أو إذا كان المؤتمر كبيراً من حيث الحجم فمركزالمؤتمرات؟ الشئ الآخر هو أن هناك الكثير من الأساتذة تحضر تلك المؤتمرات وتنشر فيها فقط من أجل الترقية لذلك تراهم بعد تقديم بحثم لا يحضرون إلقاء بقية الأبحاث ومنهم من لا يحضر بقة المؤتمر وهذا يقودنا للنقطة التالي: القوة العلمية للمؤتمر.
أغلب المؤتمرات المحلية نسبة قبول الأبحاث فيها عالية جداً مما يجعل مستوى الأبحاث المقبولة ضعيف جداً، نحن نعتبر أن المؤتمر المتوسط القوة تكون نسبة قبول الأبحاث حولي 40% والمؤتمر القوي 20%، منظمو المؤتمر يخشون إذا جعلوا نسبة القبول قليلة ألا يحضر الباحثون هذا المؤتمر وبذلك قد يفشل، لكن هذا ليس صحيحاً لأنه عندما يعرف الباحثون في جميع أنحاء العالم أن هذا المؤتمر يقبل الأبحاث القوية فسترتفع أعداد الأبحاث المقدمة بالإضافة إلى أن الباحثين يرغبون في زيارة مصر من باب السياحة ويجب أن نستغل ذلك وقد تكلمنا عن السياحة العلمية في مقال سابق.
من الأشياء التي تجعل المؤتمر يبدو ضعيفاً ألا يكون مركزاً في منطقة بحثية معينة، فعندما تقول إنه مؤتمر عن الكمبيوتر وتطبيقاته فهذا يدل على خوفك من فشل المؤتمر فترسل رسالة خفية أننا سنقبل أي شيء طالما فيه كلمة كمبيوتر، موضوع المؤتمرات وتنظيمها موضوع كبير ومتشعب ويعتمد على عدة عوامل علمية وإقتصادية وسياحية بل وسياسية وسنعود لموضوع المؤتمرات العلمية هذا كلما سنحت الفرصة.
أحب قبل أن أنهي هذا المقال أن أسوق بضع جمل قد قالها العالم الكبير الدكتور علي مصطفى مشرفة في أحد الأحاديث الإذاعية التي كان يلقيها عن العلوم المبسطة والثقافة العلمية من سنة 1938 وحتى 1940، يقول هذا العالم العظيم: "ليست العلوم مجرد حقائق يكشف عنها، ونظريات تصاغ وتمحص، وليس العالِم دائرة معارف متحركة أو قاموساً علمياً ناطقاً، بل إن العلم طريقة خاصة في التفكير والعمل، العلم عقلية خاصة تقترن بالعالم وتلزم له، هذه العقلية العلمية تعوزنا اليوم في معالجة كثير من أمورنا، وليس من الصعب أن نصف هذه العقلية أو نذكر مميزاتها، وإنما الصعوبة في إكتسابها والدرج عليها، فالعقلية العلمية تتميز بشيئين أساسيين: الخبرة المباشرة والتفكير المنطقي الصحيح، فالعالم لا يبني علمه إلا على نتائج التجربة المباشرة كما أنه لا يسلم بما يتعارض والتفكير الصحيح".