كلنا مدان في جريمة المنصورة
عمرو هاشم ربيع
آخر تحديث:
الخميس 23 يونيو 2022 - 7:45 م
بتوقيت القاهرة
الجريمة التى وقعت منذ أيام فى أحد شوارع المنصورة، وراح ضحيتها طالبة جامعية على يد زميلها، تكشف عن عدة أمور عساها أن تلق بالا لدى الكثيرين.
أولا/ ارتفاع المستوى الكيفى للعنف: ويعنى ذلك أن ما كان يحدث فى المجتمع المصرى من وجود جرائم خاصة تلك التى تتعلق بالرغبة فى الانتقام، كتلك التى تتم بدافع الشرف أو الثأر مثلا، كانت فى السابق تحدث بغرض استيفاء رغبة من الجانى بإزهاق روح ضحية ما بشكل فورى ومباشر. أما اليوم فكثيرا ما تتحول الجناية، إضافة إلى ذلك بإزهاق روح المجنى عليه بالتعذيب أو بطريقة الموت البطىء والمقصود (مقتل ميكانيكى كرداسة فى مايو2022) أو أنها تتصل بالتمثيل بالجثامين عقب الجريمة (جريمة أبشادات بملوى للثأر فى فبراير 2022)، وربما يتم واحد أو أكثر من تلك الأفعال على رءوس الأشهاد، وبغرض الزهو والأفتخار والتشفى (مقتل شاب بولاق الدكرور فى أبريل 2018 على يد أصدقائه)، وربما كان الغرض من العلانية هو الترهيب، على غرار المثل الشعبى (اضرب المربوط يخاف السايب).
ثانيا/ كلمة إغراء الملابس: بسبب ملابس السيدات يعلق الكثيرون نسبة كبيرة من أعمال العنف التى تقع، فالجرائم التى ترتبط بالزى ترتبط عادة بالتحرش الجسدى واللفظى، ويقوم بها عادة الشباب بشكل شبة جماعى. ولعل الغريب فى هذا النوع من الجرائم هو أن الجناة يعلقون فعلهم على نوع الزى الذى أدى لإثارة مشاعرهم. وقد ربط الكثيرون من خبراء علم الاجتماع بين تلك الذرائع وبين حالة البطالة والتربية غير السوية فى مجتمع اليوم مقارنة بالماضى.(واقعة التحرش الجماعى بالساحات فى منطقة الأهرامات مطلع مايو الماضى).
ثالثا/ عدم خوف الجانى من رد فعل الدولة والمجتمع: فمن يقومون بارتكاب الجريمة يكونون عادة على علم ودراية كاملة بإن أفعالهم يجرمها القانون، ويعاقب عليها بعقوبات مشددة. هذا الأمر يجعل هناك تساؤل مهم: لماذا لا يخشى الجناة من العقوبات وهو يقدمون على فعل جرائمهم؟ المؤكد أن الغل والحقد والغيظ من المجنى عليهم هو أبرز الأسباب الدافعة إلى نسيان أو تناسى رد فعل المجتمع على الجرم المرتكب. إذ إن كثيرًا من الجرائم تقع ويكون الجانى على قناعة بأنه سيقبض عليه، ومن ثم فهو يدرك لحظة التفكير فى الجريمة وحتى وقوعها، أن ما سيجنيه من مكاسب مادية أو معنوية أو كلاهما، سيكون أكبر من العقوبة التى تنتظره عقب محاكمته، أو حتى عقب اقتصاص أهل الضحايا منه. ولعل واحدا من جرائم عدم اهتمام الجناة بالعقوبة هى جرائم الشرف، والتى تلق حاضنة مجتمعية فى الشارع المصرى والعربى (جريمة الصف فى أكتوبر 2021 وحديث القاتل وكان ذاته هو الأب عن أنه غسل عار ابنته بيده).
رابعا/ الحلقات الوسيطة فى ارتكاب الجرائم: ونعنى بها أنه إضافة إلى الأسباب التى تكون دافعا للجناة فى ارتكاب الجرائم (الثأر، الشرف، أكل الميراث، السرقة، النكد الأسرى... إلخ)، تكون هناك عادة عوامل دافعة لارتكاب الجريمة. فى الماضى ولا يزال كان التفكك الأسرى واحدا من تلك الأسباب، إضافة إلى أصدقاء السوء، وتعاطى المخدرات. والذى زاد اليوم هو محاولات محاكاة الأفلام التليفزيونية. وهذا الأمر يجعل هناك دور مهم للرقابة على الأعمال الدرامية، وإن بقت العقبة فى تعارض ذلك مع التحكم فى المزاج العام للناس، أو صعوبة الرقابة على الأعمال التى تبثها الفضائيات. (محاكاة شباب اليوم لممثل معين يتعامل مع منتج محدد لانتاج أفلام تركز على سلبيات المجتمع المصرى دون خصاله الحميدة).
خامسا/ النشر السريع للجريمة: يعد النشر السريع للجريمة عبر مواقع التواصل الاجتماعى إحدى سمات التعامل مع جرائم اليوم، وقد أدى ذلك لاعتياد الناس على مشاهد الدم، والتأكيد لديهم على رخص الروح التى كرمها الله، وبذلك لم يعد هناك خوف من ارتكاب الجرائم أو مشاهدتها (مشهد جريمة الإسماعيلية المتداول فى 11 فبراير2022). يرتبط بذلك أيضا كثرة ألعاب الرعب التى تنتهى بجرائم بين الأطفال (الحوت الأزرق إنموذجا).
وهكذا يتبين أن للجريمة جديد فى الواقع المصرى، وأن الدور المهم فى المواجهة يُبقى على عاتق الدولة والمجتمع على السواء. المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية هو الرائد فى وضع توصيات المواجهة. ورغم كون الدولة تبقى هى الكائن المكلف بردع الجناة وتعليم وتثقيف أبنائه، عبر سلطاتها الثلاث من خلال أدوات التشريع والقضاء والتنفيذ. إلا أن المجتمع من خلال الأسرة هو مسئول رئيس بقيمه عن مواجهة الجريمة، ولعل البعد الدينى الصحيح هنا يكون له أثره الكبير فى مواجهة الجريمة. يحضرنا هنا الحديث النبوى «لهدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من قتل أمرئ مسلم».