اعدلوا هو أقرب للتقوى
نادر بكار
آخر تحديث:
الثلاثاء 23 يوليه 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
أنت تصدق هذا الخبر أو تلك الإشاعة عن خصومك بدون تثبت لأنك فقط تريد أن تصدقها؛ تنسى أى حسنة وتضخم أى سيئة؛ ترد الحق إن أتى من طريق خصومك؛ وترحب بالباطل وتسوق له إن أتى من طريق أحبابك.. لا تقلق لست أتهمك وحدك بل أنا وبيتى ومدينتى ومصر كلها معك.. إلا ما رحم ربى!
تأمل إنصاف عمار بن ياسر رضى الله عنه وهو يومئذٍ فى معسكر على بن أبى طالب مواجها ومخاصما معسكر أم المؤمنين عائشة ومعها طلحة والزبير ونفر من كبار الصحابة؛ أُرسل عمار إلى الكوفة فقام فى الناس خطيبا يفسر لهم وجهة نظر معسكره؛ فلما أتى على ذكر من يُفترض أنهم خصومه وسيلقاهم بعد قليل فى معركة الجمل؛ قال: «إن عائشة قد سارت إلى البصرة؛ ووالله إنها لزوجة نبيكم فى الدنيا والآخرة؛ ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ــ اختبركم ــ ليعلم إياه تطيعون أم هى «.. بل لمَّا حاول رجل أحمق متعصب أن ينال من عائشة بحضرته؛ استشاط عمار غضبا وقال: «اغرب مقبوحا؛ أتؤذى حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟»
والإنصاف كان بينهما متبادلا رضوان الله عليهما ولا عجب فكلاهما نتاج تربية إيمانية فريدة الطراز؛ فبعد أن انتهت معركة الجمل؛ التقاها عمار فخاطبها بأدب جم معاتبا: «ما أبعد هذا المسير من العهد الذى عُهد إليك ــ يقصد الإشارة إلى قول الله تعالى وقرن فى بيوتكن ــ فقالت تشهد له بالفضل: والله إنك ما علمت ُلقوَّال بالحق؛ فقال: الحمد لله الذى قضى لى ــ يعنى حكم لى ــ على لسانك».
تجد هذا المنطق مفرطا فى المثالية يستعصى على التطبيق أليس كذلك؟ أعذرك والله... لأننا تربينا على الجنوح والشطط؛ لا يهم إلى أى وجهة إلى اليمين أم إلى الشمال؛ إنما المهم أن نظل بمنأى عن الإنصاف والوسطية التى نتشدق بها فى المناسبات فقط ولإرهاب كل من يخالفنا الاجتهاد فقط.
«.. ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه؛ وأعطى الحق حقه؛ فيعظم ــ بذلك ــ الحق ويرحم الخلق؛ ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات؛ فيحمد ويذم؛ ويثاب ويعاقب؛ ويحب من وجه ويبغض من وجه» هذا هو المنطق الذى يصعب علينا الآن تقبله وقد صاغه الإمام بن تيمية فى سطرين فى وقت كان يكابد فيه اجتماع الخصوم عليه ورميه بالبهتان واختلاق الأكاذيب ضده ما تنوء بحمله الجبال.
كل هذه النقولات وغيرها خرجت من مشكاة الوحى الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ خرجت من قوله تعالى « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»... يعنى لا تحملنكم عداوة أحد على ترك العدل والإنصاف؛ لا تحملنكم البغضاء على قتل إنسانيتكم؛ لا تغشين على أبصاركم الخصومة فتصبحون وحوشا تطأ الرحمة بأقدامها.