هندسة الدم
سامح فوزي
آخر تحديث:
الأربعاء 23 يوليه 2014 - 9:25 ص
بتوقيت القاهرة
كل واحد ينظر للأمور من زاويته، لكن التأمل يشير إلى أن الكل مترابط، والعنوان الأكبر هو: إما دولة وطنية ديمقراطية أو ثيوقراطية دينية سواء انتهى الفقهاء إلى إمكانية وجودها فى الإسلام من عدمه. المسألة ليست حوارا فقهيا، ولكن حقائق تحدث على أرض الواقع.
تابعت تعليقات على ظاهرة «داعش» تشير إلى أن هناك تحالفا بين عناصر جهادية، وبقايا نظام صدام حسين، وبعض العشائر فى انتفاضة ضد سياسات الإقصاء الطائفى التى تمارسها الحكومة العراقية برئاسة نورى المالكى. قد يكون فى ذلك بعض الصحة، ولكن ما قامت به «داعش» من اضطهاد منظم للمسيحيين خلال الأيام الماضية يثبت أنه أيا كان شكل التحالف الذى تتشكل منه، فإنها تستمد أيديولوجيتها من فكر متشدد غابر يعتبر المناطق المستولى عليها فتحا مبينا، ثم يُخير المقيمون بها بين «الإسلام» و«الجزية» أو الخروج على أقدامهم مسلوبين من كل ما يمتلكون الذى يعد فى نظر الفاتحين غنائم حرب.
الموصل بلا مسيحيين بسبب هويتهم الدينية. علامة سوداء فى تاريخ منطقة تشتهر بأنها مهد التعددية الدينية، والتنوع الحضارى والثقافى، والعيش المشترك رغم ما يعتريه من أزمات. سوريا مرت بمشاهد مشابهة خلال السنوات الماضية، وبالطبع انخفض الوجود المسيحى فى فلسطين إلى درجة مقلقة فى ظل الاحتلال الإسرائيلى، وكذا فى لبنان فى ظل الصراع الطائفى، وتشكل مصر والأردن ما يشبه الاستثناء على هذا المناخ المضطرب، وإن أحاط بالمسيحيين فى كلا البلدين مشكلات تنتظر حلولا.
فى نفس المشهد يأتى العدوان الإسرائيلى على غزة الذى تجاوز الأسبوعين، وخلف مئات القتلى، وآلاف الجرحى، والصراع المسلح فى ليبيا، وتحول القوات المسلحة والشرطة فى مصر ــ مثلما حدث فى الفرافرة ومناطق أخرى ويحدث فى سيناء ــ إلى هدف للجماعات الإرهابية فى محاولة لتحطيم الدولة المصرية حتى تتحول إلى «دولة فاشلة» تلحق بالعراق وسوريا، ومن قبلهما الصومال، وتصبح ساحة للصراع المسلح.
المنطقة العربية يتغير طعمها، ولونها، وشكلها بقوة السلاح بعد أن تراجعت قوى التغيير السياسى السلمى عن دفع المنطقة فى اتجاه الديمقراطية والتحديث، وأكثر ما يشغل الناس إما عودة دولتهم القديمة حتى لو كانت متجبرة أو الحفاظ على دولتهم القائمة حتى لو كانت متعثرة. تقسيم المنطقة إلى دول، أيا كان حجم تجانسها، جاء فى أعقاب خبرة استعمارية استمرت لعقود، والآن يجرى تقسيم المنطقة بآليات وأسس مختلفة تعتمد التطهير العرقى والدينى باستخدام جماعات مسلحة تكره الدولة القومية، وتود أن تقضى عليها.
لا أنكر أن هناك دولا عربية شجعت ومولت حركات الإرهاب لاستخدامها فى مواجهة خصومها، معتقدة أنها سوف تظل بمنأى عن نيرانها، فإذ بحجم التهديد يتسع، ويرسل لهيبه إلى الجميع.
الحرب طويلة وممتدة، لا يمكن فيها التوفيق بين نقيضين: إما الدولة القومية، دولة المواطنة، وإما دولة «ثيوقراطية» إسلامية، وهى بالمناسبة ليست مواجهة بالسلاح فقط، لكنها أيضا «أفكار» و»معتقدات» و«مفاهيم» تتربى عليها أجيال، وتستقر فى وجدان قطاعات من الناس. من هنا يكون التغيير الحقيقى بالديمقراطية التى يمكن أن تحافظ على الدولة القومية وتعيد إليها اللحمة، وبدونها تصبح المنطقة جميعا فى مرمى نيران «داعش» وأخواتها. المسألة وقت لا أكثر.