تركيا وألمانيا.. وبينهما مصر
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الأحد 23 يوليه 2017 - 8:50 م
بتوقيت القاهرة
فى اللحظة التى دخلت فيها وزارة الخارجية الألمانية فى قلب برلين ظهر الخميس الماضى، كان وزير الخارجية زجمار جابرئيل يقترب من إنهاء مؤتمره الصحفى المهم الذى عقده بصورة مفاجئة ردا على قيام السلطات التركية بالقبض على المزيد من المواطنين الألمان الذين وصل عددهم إلى عشرة تقريبا.
كنت ضمن وفد صحفى مصرى من رؤساء تحرير صحف الأهرام والأخبار والمصرى اليوم والوطن و«الأهرام إبدو» و«نص الدنيا» والكاتب الصحفى أحمد المسلمانى. زرنا مقر الوزارة بترتيب من الدكتور أشرف منصور رئيس الجامعة الألمانية بالقاهرة والسفير المصرى فى برلين الدكتور بدر عبدالعاطى.
خلال يومى الخميس والجمعة الماضيين قابلنا العديد من المسئولين الألمان خصوصا فى وزارتى الخارجية والاقتصاد إضافة إلى مسئولين بارزين فى البرلمان «البوندستاج» وشخصيات عامة كثيرة.
«الملف التركى» هو الأكثر إلحاحا فى ألمانيا هذه الأيام، ليس فقط بسبب السياسة وتقلباتها، ولكنه الأكثر تأثيرا داخل ألمانيا نفسها لدرجة أن وزير الخارجية جابرئيل قطع إجازته التى كان يقضيها مع زوجته خارج برلين بعد أن رزقا بطفل جديد.
هناك ثلاثة ملايين تركى أو ألمان من أصول تركية يعيشون فى ألمانيا نصفهم على الأقل يؤيدون الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وسياسته المتطرفة ضد ألمانيا والعديد من البلدان الأوروبية، كما يشكل السائحون الالمان النسبة الغالبة المتوجهة لتركيا.
أحد الدبلوماسيين العرب فى برلين قال لى إنه عندما وقعت محاولة الانقلاب ضد أردوغان وحزبه «العدالة والتنمية» فى ١٥ يوليو من العام الماضى، فإن أكثر من ثلاثة آلاف سائق تاكسى من أصول تركية تظاهروا بسياراتهم أمام سفارة بلادهم فى برلين، وتسببوا فى إصابة أجزاء كثيرة من العاصمة الألمانية بالشلل.
أردوغان وأنصاره يعتقدون أن ألمانيا ربما كانت تتمنى نجاح الانقلاب، وإنها لم تصدر أى مواقف علنية إلا بعد أن تأكدت أن الانقلاب فشل، وأن هذا الموقف لم يكن ألمانيا فقط، بل ربما أوروبيا وأمريكيا. وفى المقابل فإن أصواتا غربية كثيرة تتهم أردوغان بأنه صار ديكتاتوريا وأن مواقفه تشكل خطورة حقيقية على العالم الحر.
أردوغان دخل فى حالة تحدٍ سافرة مع ألمانيا وأوروبا، وحاول أن ينظم عمليات دعاية للاستفتاء على تحويل النظام السياسى إلى رئاسى وزيادة صلاحياته قبل أسابيع من داخل ألمانيا وسائر أوروبا، لكن محاولاته فشلت، ووصلت الملاسنات بين الطرفين إلى اتهام أردوغان لبعض المواقف الأوروبية بأنها «نازية» وهو اتهام خطير للغاية لمن يعرف آثاره وتداعياته.
الأمور تفاقمت ورفضت تركيا زيارة المسئولين الألمان لجنود بلادهم فى قاعدة انجرليك العسكرية الخاصة بالناتو، للمطالبة بتسليم ألمانيا لبعض قادة الجيش الذين لجأوا إلى برلين عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، وقامت تركيا بالقبض على العديد من الألمان وبينهم صحفيين وحقوقيين بتهمة دعم منظمات إرهابية فى إشارة لجماعة عبدالله جولن أو الأكراد الذين يحارب بعضهم تركيا للحصول على مطالب عرقية.
وتعتقد ألمانيا أن اعتقال تركيا لمواطنين ألمان يأتى للمساومة على تسلم الضباط الكبار الذين لجأوا إليها.
تطورات هذا الملف تشير إلى أن الخلافات بين الطرفين وصلت لمرحلة غير مسبوقة، خصوصا بعد تقارير عن تصنيف تركيا للعديد من الشركات الألمانية الكبرى بأنها تدعم الإرهاب، وهو ما حاول اردوغان نفيه لاحقا، ورد برلين بنصيحة مواطنيها عدم زيارة تركيا، ووقف دعم شركاتها التى تستثمر فى تركيا.
هذان القراران سيكونان لهم تأثير شديد على الاقتصاد التركى، إذا استمرت الأزمة فى التفاقم، والتقديرات الألمانية تشير إلى أن أكثر من ٥٠٪ من السائحين الألمان لن يزوروا تركيا، وأن بعضهم قد تكون وجهته البديلة هى مصر، خصوصا أن الحكومة الألمانية لم تتخذ أى إجراء سلبى ضد مصر عقب مقتل سيدتين ألمانيتين تعملان فى مركز للغطس بأحد فنادق الغردقة الأسبوع قبل الماضى.
التطورات فى الملف التركى الأوروبى وتحديدا فى شقه الألمانى مهمة للغاية وتؤثر على المنطقة بأكملها، وأتصور أن الدبلوماسية المصرية يمكنها التحرك بصورة عملية لتعظيم المصالح المصرية والعربية فى الفترة المقبلة.