حرب على داعش وصلح مع الإخوان
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 23 سبتمبر 2014 - 9:35 ص
بتوقيت القاهرة
قبل أن ينتهى الجدل ــ بل ربما قبل أن يبدأ ــ حول تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى بـ«موافقته على عودة الإخوان المسلمين إلى الحياة السياسية إذا نبذوا العنف»، جاء رد مافيا الإخوان على هذه الدعوة بتدبير ــ أو على الأقل بتأييد ــ سبعة تفجيرات بالقاهرة وعدة محافظات، أوقعت قتيلين من الشرطة وعدة إصابات بين جنود ومدنيين، باعتبارها جهادا فى سبيل الله، وهى فى الحقيقة «جهاد» فى سبيل عودة مرسى للكرسى، لا أكثر ولا أقل، ليؤكد الإخوان، سواء بالتدبير أو التأييد أو كليهما معا، رفضهم القاطع للمصالحة مع السلطة الجديدة فى مصر، وإصرارهم على مواصلة الحرب ضدها..
الإخوان بهذا الاختيار الدموى، يؤكدون أنهم وداعش وجهان لعملة واحدة، وأنهم يوفرون ظهيرا أيديولوجيا لسفاحى داعش ويقفون معهم فى نفس الخندق، خاصة أن كلا التنظيمين يشتركان فى مرجعية فكرية واحدة، تتمثل فى إعادة الخلافة الإسلامية التى انهارت بسقوط الخلافة العثمانية فى بدايات القرن الماضى، وهى الخلافة التى مرمط العثمانيون بسمعتها الأرض، بقمعهم الدموى لغيرهم من الشعوب الأوروبية المجاورة لهم، وباستغلالهم لخيرات الشعوب الإسلامية التى احتلوها بالقوة العسكرية، بمنتهى الجشع والوحشية.
وللوهلة الأولى، قد تبدو دعوة الرئيس السيسى لعودة الإخوان للحياة السياسية إذا نبذوالعنف قد جانبها الصواب، حيث يرى الكثيرون - وأنا منهم - أن الرجل الذى يشارك فى المواجهة مع داعش ويخوض حربا حقيقية مع التنظيمات المسلحة التى تتبنى نفس أفكارها فى سيناء، لا يقدم مبررات كافية للمصالحة السياسية مع تنظيم الإخوان- الذى يعتبر الأب الروحى لكل التنظيمات المتطرفة فى المنطقة العربية- خاصة أن قيادة الإخوان الحالية تنتمى فكرا وروحا وعقيدة لأفكار سيد قطب التى تكفر المجتمع، وتصمه بالجاهلية، وتتوعده بالحرب حتى يعود لحظيرة الإسلام الصحيح. ومن هنا فقد كان من الأولى أن يكون الرئيس أكثر وضوحا ودقة، فى تفسيره لشرطه الذى وضعه أمام الإخوان بـ«نبذ العنف» قبل عودتهم للحياة السياسية، ولا يكتفى فقط بمطالبتهم بإبعاد قياداتهم القطبية الحالية، أو الاعتراف بشرعية 30 يونيو، أو باستبعاد من تورط فى حمل السلاح ضد الدولة، أو الاعتذار للشعب عن جرائمهم فى حقه.
المصالحة مع الإخوان، هى ابتداء مسئولية كوادر الإخوان ومؤيديهم فى المقام الأول والأخير، هم فقط المسئولون عن الإطاحة بقياداتهم المتطرفة التى تقود التنظيم للهاوية، وهم المسئولون أيضا أولا وأخيرا ــ بدون أى دعوة من الدولة ــ عن فك وتركيب جماعتهم على أسس تنظيمية جديدة، وفقه جديد، ومرجعية مختلفة عن وهم الخلافة الإسلامية التى لا تعترف بالحدود والأوطان، وهناك المئات إن لم يكن الآلاف من أعضاء التنظيم الذين يمكنهم القيام بهذه المهمة، والكثير منهم جديرون بالتعبير عن المواقف الإسلامية الصحيحة من قضايا الحريات والعدل الاجتماعى والاعتراف بالآخر، ويمكنهم أن يكونوا إضافة حقيقية للعمل الوطنى، بشرط أن يغسلوا أيديهم من خطايا وأخطاء وأكاذيب التنظيم الذى أصبح يدار كما تدار عصابات المافيا، وهو أمر لا يبدو أنه سيحدث فى الأمد القريب مع استمرار القبضة الحديدة التى تدير به قياداته شئون الجماعة.
فالمؤكد أن دعاوى المصالحة مع الإخوان لن تكون أكثر من باب خلفى، سوف يستغله قيادات هذه المافيا للدخول من جديد لساحة العمل العام، إذا ما خسروا الحرب التى يشنونها على الدولة، خاصة أن الجماعة لاتزال تتلقى دعما سياسيا من دوائر امريكية وأوروبية وصهيونية، لكى تصل إلى السلطة فى مصر مرة أخرى، بعد أن قدم الإخوان فروض الطاعة السياسية والولاء الاقتصادى لهذه القوى الأجنبية، منذ نشأتهم وحتى السنة السوداء التى حكموا فيها مصر!