مساجدهم وكنائسهم
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الأحد 23 أكتوبر 2011 - 8:50 ص
بتوقيت القاهرة
احتجت مجموعة من المواطنين البيض من أهالى منطقة فورهييز Voorhees فى ولاية نيوجيرسى الأمريكية على خطة مجموعة من الأهالى المسلمين بالمنطقة شراء مبنى قديم مهجور لبناء مسجد صغير.
وانتشرت الملصقات التى تحذر من خطورة بناء دار للعبادة خاصة بالمسلمين، بل إن أحد هذه الملصقات ذهب إلى حد الإدعاء بأنه إذا ما تم بناء المسجد فقد يجتذب الإرهابيين للصلاة فيه! وتلى ذلك قيام عدد متزايد من الأهالى بمحاولات ناجحة للضغط على أعضاء مجلس المدينة لكى ترفض إصدار تصريح لبناء المسجد الجديد. وتعكس هذه الحالة، فضلا عن حالات قليلة أخرى، انعدام الثقة من بعض فئات المجتمع الأمريكى فى المسلمين لأسباب عديدة من أهمها حوادث 11 سبتمبر، وما تلاها من حرب أمريكية على أفغانستان والعراق.
إلا أن سلوك القلة النشطة فى منطقة فورهييز حرك الأغلبية الصامتة من سكان المنطقة للقيام بجهود إيجابية دعما لرغبة السكان المسلمين فى بناء مسجد لهم. وشاركت جماعات مسيحية ويهودية فى نقد تصرفات القلة النشطة، وعملت على إدانتها مؤكدة حرية الأهالى المسلمين فى بناء ما يحتاجونه من مساجد طالما توافر لديهم المال الكافى والأرض اللازمة. كما اعتبر مسئولو الكنائس والمعابد أن هذه التصرفات لا تعبر عن رأى الغالبية من الأهالى الذين يرون فى الإسلام دينا سماويا كغيره من الأديان الأخرى.
وقامت القسيسة ميلينى سوليفان من كنيسة جامعة الدراسات اللاهوتية بمدينة «تشيرى هيل» المجاورة، بعدما علمت مصادفة من صديق عن رفض مجلس المدينة المبدئى لإصدار تصريح بناء المسجد، بتنظيم حملة جمعت ممثلى مختلف الديانات لدعم طلب الأهالى المسلمين بناء المسجد.
وذكرت سوليفان «أن حكومة المدينة تعاملت مع طلب الأهالى من المسلمين بناء مسجد صغير بعنصرية غير مقبولة حيث لم يكن هناك أى داع يبرر رفض المجلس إصدار تصريح بناء المسجد. لاسيما وأن البناء كان سيتم فى مكان مهجور وغير مستغل من أية جهة».
وأضافت سوليفان أنها قامت بدعوة ممثلى كل الديانات من مسيحيين ويهود للقيام بضغط مشترك على حكومة المدينة. وعقب ذلك، تجمع ممثلو الأديان المختلفة مع ممثلى الأهالى المسلمين عدة مرات لتنسيق أسلوب العمل. وقامت هذه المجموعة بحملة مضادة منظمة لصالح بناء المسجد، وتم خلال هذه الحملة التعريف بضرورة بناء دور عبادة للأهالى المسلمين. وفى هذا الإطار حثت سوليفان أعضاء كنيستها على إرسال خطابات كثيرة للصحف المحلية، وأكدت ضرورة «العمل على فضح هذا التصرف العنصرى فى مختلف وسائل الإعلام المحلية»، على حد قولها.
ونتج عن الحملة المضادة أن قرر مجلس المدينة مناقشة الأمر مرة أخرى، وتجمع ممثلو مختلف الأديان فى مبنى حكومة المدينة يوم المناقشة الحاسمة لقرار إصدار تصريح البناء من عدمه. وبعد ساعات من المناقشات الحامية حول حق الأهالى المسلمين فى بناء مسجد، نجح تجمع ممثلى مختلف الديانات فى شحذ الجهود التى انتهت بإقناع حكومة المدينة بإصدار تصريح لبناء المسجد فى مواجهة القلة التى كانت تقف عقبة فى وجه إصدار مثل هذا التصريح.
وعكست تجربة مسجد فوهييز وجهى المجتمع فى التعامل مع أى أزمة يواجهها، الوجه الأول «قبيح» تمثله أقلية نشطة اتخذت فى هذه الحالة من مهاجمة المسلمين ودينهم وأماكن عباداتهم هدفا لها، والثانى وجه «حسن» تمثله الغالبية العظمى من المواطنين الأمريكيين الذين لا يرون فى الإسلام والمسلمين أى مصدر للخوف والهلع، ويتعايشون معهم بمحبة وسلام.
ولا يعرف أحد بدقة أعداد المواطنين الأمريكيين المسلمين، لأن الإحصاءات الرسمية الأمريكية لا تأخذ الدين (العقيدة) بعين الاعتبار لأنه يعد أحد أهم الحقوق والحريات الإنسانية الخاصة التى لا يجب أن تتدخل فيها الدولة.
إلا أن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، وهو أحد أهم منظمات المسلمين الأمريكيين قدر العدد مؤخرا بحوالى 6 ملايين مسلم، فى حين قدرهم مركز بيو للدراسات، وهو أحد المراكز الجادة، عام 2007 بما يقرب من 2.35 مليون مسلم.
وطبقا لدراسة مركز بيو يمثل المهاجرون المسلمون ممن قدموا للولايات المتحدة خلال الأربعين سنة الأخيرة 65% من أجمالى أعداد المسلمين، مقابل 35% للأمريكيين الأفارقة. ومعظم مسلمى أمريكا قدموا من باكستان وأفغانستان وإيران ومصر وفلسطين والسودان والعراق ولبنان واليمن وسوريا.
وحسب تقديرات أمريكية محايدة، يوجد ما يقرب من 2500 مسجد يتوزعون فى كل الولايات الأمريكية الخمسين. وفى الوقت التى كانت فيه مساجد أمريكا تتميز بصغر مساحتها خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضى، بدأ المسلمون خلال السنوات العشرين الأخيرة فى بناء مساجد ضخمة لتستوعب الأعداد المتزايدة منهم خاصة مع بروز الجيل الثانى من المهاجرين.
وتتميز مساجد أمريكا بأنها أكثر من مجرد مكان للعبادة، فمعظم المساجد تحتوى على مكتبات كبيرة، ومدارس لتعليم اللغة العربية ولتحفيظ القرآن الكريم، إضافة لقاعات المناسبات الدينية والاجتماعية والترفيهية.
وذكر القس ريتشارد لاند، رئيس الكنيسة المعمدانية الجنوبية، فى حوار جمعنى معه، أن معارضى بناء المساجد مضللون، وأن الدستور يضع جميع الأديان على قدم سواء، وأنه إذا قمنا بانتهاك حرية المسلمين، فنحن بذلك ننتهك حريتنا نحن.
ويستغل مسلمو أمريكا مناسبة حلول شهر رمضان من كل عام، إضافة لعيد الفطر وعيد الأضحى، لفتح المساجد للجميع، ويقومون بحملات لتعريف الشعب الأمريكى بالدين الحنيف، وهو ما يساهم فى زيادة الفهم للدين الذى يربطه البعض عمدا بالتشدد ضد غير المسلمين.
وقرأت مؤخرا أن مجمل عدد الكنائس فى مصر بلغ 2626 كنيسة، أى ما يقرب من أعداد المساجد الأمريكية! وذلك رغم أن أعداد مسيحيى مصر أكثر من ضعف مجموع مسلمى أمريكا.
أليس من العار أن يتمتع المهاجرون المسلمون فى أمريكا بحقوق أكثر مما يتمتع به الأقباط من أهل مصر. أليس من العار أن يكون عدد مساجد مسلمى أمريكا التى بنيت خلال خمسين عاما فقط مقاربا لعدد كل الكنائس المصرية التى يمتد تاريخها لأكثر من ألفى عاما، أليس من العار أن يستطيع مهاجر سعودى أو باكستانى أن يبنى مسجدا بمساعدة رجال الدين المسيحى واليهودى، فى حين يقف الكثير من رجال الدين الإسلامى فى وجه بناء كنائس جديدة، وأخيرا أليس من العار ألا يكون صوت الأغلبية المسلمة فى مصر وقادتها من رجال الدين هو أقوى الأصوات الداعية لضرورة منح الأقباط الحرية الكاملة فى بناء كنائسهم فى أى مكان من الوطن مصر.