من نصدق.. الذين قالوا إن ضحايا العملية الإرهابية على طريق الواحات يوم الجمعة الماضى أكثر من ٥٢ شهيدًا أم بيان وزارة الداخلية الذى قال إنهم ١٦ شهيدًا، و١٣ مصابًا؟!
بيان الوزارة نشر أسماء محددة للشهداء وكذلك أسماء المصابين. وبالتالى فقد قطع الطريق على أى مزايدات.
الذى يحسم هذه القضية هو المعلومات والبيانات. الوزارة قالت كلمتها، والذين يقولون إن عدد الضحايا كبير، عليهم أن يقدموا لنا أسماء الضحايا الآخرين، أو أى جنازات لشهداء لم يشملهم بيان الداخلية، ووقتها سنرفع له القبعة.
ورغم ذلك فإن ما حدث منذ وقوع الحادث، وحتى صدور بيان الداخلية، درس عملى على نموذج تكرر فى حوادث سابقة، ونتمنى إلا يتكرر مع حوادث أخرى فى المستقبل.
على المستوى الشخصى وقعت فى حالة من الارتباك والتشوش، بسبب الطريقة التى تعاملت بها وزارة الداخلية، مع الحادث، بحكم كونى صحفى كنت أبحث عن معلومات صحيحة وسريعة. وبحكم كونى مواطنًا تفهمت إلى حد ما دوافع الشرطة، للتريث فى إصدار أى بيانات تتضمن معلومات، فى حين أن المعركة كانت دائرة.
الصحفى يريد المعلومة السريعة لعمله، والمواطن يريد للشرطة أن تنتصر فى المعركة، حتى لو تأخرت المعلومة.
لكن الجديد الذى لا يريد بعضنا أن يلتفتوا إليه هو وسائل التواصل الاجتماعى، التى صارت لاعبًا رئيسيًا تؤثر فى التوجهات والمناخ العام. وتسبب «صداعًا مستمرًا» فى رءوس غالبية المسئولين.
رواد «السوشيال ميديا» فى مثل هذه الحوادث، وقبل أن تتضح الحقيقة، يريدون معلومات فورية طازجة، بغض النظر عن تأثيرها على المواجهة الميدانية مع الإرهابيين. وبالتالى يصبح السؤال: هل هناك إمكانية لإقناع هؤلاء بالموازنة بين الحصول على المعلومات، وحماية جنود شرطة فى حالة اشتباك؟!
لسوء الحظ «رواد السوشيال ميديا» ليسوا فريقا أو حزبا أو جماعة واحدة، بل جماعات وفرق وأشخاص متنافرين، قد يتفقوا فى قضية ويختلفوا فى أخرى.
سيسأل البعض: هل يكون الحل بوقف وسائل التواصل الاجتماعى، وتطبيق النموذج الصينى الذى خلق «فيسبوك صينى» يسمى «وى شات» ولا يدخل على الشبكة العالمية إلا باستخدام البروكسى؟!
هذا أمر صعب جدًا ومستحيل، لأنه يحول مصر إلى نموذج كوريا الشمالية.
وبالتالى وجب على الحكومة أن تبحث عن طريقة توائم بها بين تقديم المعلومات للناس بالطريقة الصحيحة والسريعة من جهة، وبين الحفاظ على الأمن القومى من جهة أخرى.
تجربة يوم الجمعة الماضى ينبغى أن تكون درسًا للجميع للحكومة وأجهزتها بأنه صار من المستحيل الصمت لمدة ٢٤ ساعة قبل أن صدور البيان الرسمى؟!.
هل معنى ذلك أن نصمت تمامًا وقد نتأخر، أم نضحى بسلامة الجنود والضباط حتى لا يذهب الناس إلى القنوات المعادية للحصول على المعلومات؟!
الإجابة بالقطع لا، ولا ينبغى أن يكون الخيار دائمًا بين الأبيض والأسود، أو بين الشياطين والملائكة، لكن هناك درجة من التوازن تسمح بتزويد الناس بالحقيقة التى لا تضر سلامة الجنود وسلامة البلد.
ولا يعنى ذلك أن نترك الميدان الفضائى مستباحًا لكل من هب ودب يعيث فيه فسادًا ويضع فيه المعلومات الناقصة والمشوهة والإشاعات والنميمة.. القاعدة الواضحة التى ينبغى أن تفكر فيها الحكومة وأجهزتها الأمنية طوال الوقت هى الآتى: فى اللحظة التى تصمت فيها أو تنسحب من الميدان الإعلامى، فإن هناك جهات أخرى ستدخل كى تملأ هذا الفراغ، ووقتها لا تلوم الحكومة إلا نفسها، ولا يصح لها أن نتحدث عن مروجى الإشاعات.
المواطنون فى هذه الحالة يبحثون عن أى معلومة، وسيتوجهون للأسف إلى أقرب سوق يوفرها لهم. وقد يكون سوقًا داعشيًا أو إخوانيًا أو أو صهيونيًا. والخطورة أنه فى ظل غياب الحقيقة سيصدق الناس الموجود فقط.
مرة أخرى مطلوب من الحكومة إعادة النظر فى التعامل مع الإعلام فى الحوادث الكبرى. الصمت لا يكفى، والانسحاب لا يجدى، ولوم الآخرين لا يفيد. عليكم أن تكونوا دائمًا جزءًا من القصة الخبرية. قولوا الحقيقة فورا ولا تخشوا شيئًا، لأن الخطر الأكبر هو أن يفقد الناس الثقة فى البيانات الرسمية، ووقتها نكون قد قدمنا خدمة ثمينة لكل الأعداء.