العام الماضى أطلق معهد الاقتصاد والسلام الإصدار الرابع من «المؤشر العالمى للإرهاب» Global Terrorism Index GTI والذى يعد بمثابة دراسة مكثفة لتحليل وفهم أثر الهجمات الإرهابية على 163 دولة تمثل نحو 99,7 % من سكان العالم.
المؤشر (فى إصداراته عام 2016) يغطى فترة زمنية تمتد منذ بداية الألفية الحالية وترصد اتجاهات وأنماط العمليات الإرهابية طوال الفترة الممتدة من عام 2000 إلى عام 2015. يتم تركيب المؤشر اعتمادا على قواعد بيانات تم جمعها بمعرفة «المجموعة الوطنية لدراسة الإرهاب والاستجابة له» وهى قطاع من مركز الأمن الوطنى تحت قيادة جامعة مريلاند الأمريكية، والتى تعد أكثر قواعد البيانات شمولا للعمليات الإرهابية على مستوى العالم، حيث رصدت حتى صدور التقرير الأخير ما يزيد على 150 ألف حادث إرهابى.
شهدت بيانات المؤشر عام 2016 تحسنا فى 67 دولة من بينها مصر، بينما ساءت أوضاع 53 دولة أخرى. وقد تراجع المؤشر العالمى بصفة عامة بنسبة 6% مقارنة بالعام السابق، نتيجة لمواجهة عدد من الدول مستويات غير مسبوقة من الهجمات الإرهابية خلال عام 2015. هذا وقد انخفضت نسبة الوفيات الناتجة عن الإرهاب بواقع 10% ليبلغ عدد الضحايا 29,376 خلال عام 2015 وهو الانخفاض الأول لعدد الضحايا منذ عام 2010، ويرجع الفضل فى هذا التراجع لكل من العراق ونيجيريا حيث استحوذ كلاهما على 32% من الانخفاض فى عدد الوفيات (سجلا انخفاضا مقداره 5,556 حالة وفاة عن العام السابق).
وقد استحوذت الدول الخمس الأولى (الأكثر تضررا بالإرهاب) على نحو 72% من أعداد القتلى الذين سقطوا ضحايا للعمليات الإرهابية وهى دول: العراق وأفغانستان ونيجيريا وباكستان وسوريا.
***
خلال الأعوام الستة عشر التى يغطيها المؤشر كان أسوأ الأعوام على الإطلاق هو 2014، وقد شهد تعرض 93 دولة لهجوم إرهابى، ولقى 32,765 شخصا مصرعهم جراء تلك العمليات الغادرة. تنظيم داعش كان مسئولا عن موت 18 فردا فى مجموعة دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية فى عام 2014، وهذا العدد قد ارتفع بشدة عام 2015 ليسجل 313 حالة وفاة ناتجة عن 67 عملية. نصف العمليات التى أمكن ربطها بتنظيم داعش نفذها إرهابيون لا يتصلون بشكل مباشر مع ذلك التنظيم!، ومنذ عام 2006 فإن 98% من الوفيات الناتجة عن عمليات إرهابية فى الولايات المتحدة نتجت عن «تدبير فردى» وأدت إلى موت 156 فردا وفقا لتقرير المؤشر.
فى عام 2015 ثبتت مسئولية أربع مجموعات إرهابية فقط عن 74% من حالات الوفيات الناتجة عن هجمات إرهابية، وهى داعش، وجماعة «بوكو حرام»، وطالبان، والقاعدة. وقد تفوقت «داعش» على «بوكوحرام» فى هذا العام لتصبح أكثر الجماعات الإرهابية دموية فى العالم، وفقا لعدد الوفيات التى تسببوا فيها بكل خسة وإجرام. فى هذا العام أيضا تراجعت نسبة الوفيات التى تسبب فيها تنظيم القاعدة بواقع 17%، بينما ارتفعت نسبة ضحايا طالبان بنحو 29%.
رصد تقرير المؤشر أيضا نسبة كاشفة تفيد بأن 93% من الهجمات الإرهابية بين عامى 1989 و2014 حدثت فى دول ترعى إرهاب الدولة المنظم، والذى تعكسه نسب مرتفعة من وفيات المدنيين جراء التعذيب، وانتهاك القانون، والاحتجاز بدون محاكمة. كما أن أكثر من 90% من الهجمات الإرهابية وقعت فى دول متورطة فى نزاعات مسلحة، وأن نحو 0,5% من الهجمات الإرهابية وقعت فى دول غير متورطة فى صراعات مسلحة أو إرهاب سياسى منظم. حتى فى الدول المتقدمة، رصد التقرير أن احتمال وقوع هجمات إرهابية فى دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية التى تشكو تراجعا اقتصاديا واجتماعيا نسبيا يكون كبيرا. ومثال التردى فى الأداء الاقتصادى والاجتماعى بتلك الدول، غياب الفرص المناسبة للشباب، وتراجع الثقة فى عدالة النظام الانتخابى، وارتفاع معدلات الجريمة، وسهولة حيازة سلاح.
سجل الأثر الاقتصادى العالمى لحوادث الإرهاب عام 2015 خسائر قيمتها 89,6 مليار دولار متراجعة بنحو 15% عن عام 2014. وقد كان الاقتصاد العراقى الأكثر معاناة بين اقتصادات العالم، بعد أن قدرت الخسائر الاقتصادية الناتجة عن عمليات إرهابية فى الداخل العراقى بما يمثل 17% من الناتج المحلى الإجمالى للدولة.
***
لفت تقرير المؤشر إلى أن مساهمة قطاع السياحة فى الناتج المحلى الإجمالى للدول التى لا تتعرَض لهجمات إرهابية، تبلغ ضعف ما تساهم به السياحة فى الدول التى تعانى من ضربات الإرهاب. كما لفت التقرير إلى أن الموارد الاقتصادية التى يتم تخصيصها لحفظ وبناء السلام فى العالم، تمثل ما نسبته 2% فقط من الأثر الاقتصادى الذى تخلفه النزاعات المسلحة والعمليات الإرهابية.
وقد عانت مصر خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة من بلوغ الإرهاب مستويات قياسية فى أراضيها هى الأكبر منذ عام 2000. فى عام 2015 بلغ عدد الوفيات الناتجة عن هجمات إرهابية 662 حالة وفاة، مرتفعة بنسبة 260% عن عام 2014! منذ عام 2000 وحتى عام 2015 سجلت مصر خلوا من أى وفيات ناتجة عن هجمات إرهابية طوال سبع سنوات. كذلك تواجه مصر وفيات ناتجة عن نزاعات مسلحة وفقا لتقرير المؤشر. فالحكومة المصرية تواجه الإرهاب فى نزاعات مسلحة مع تنظيم داعش، وأنصار بيت المقدس، والتنظيمات التابعة لهما بشكل مستمر.
هذا النزاع المسلح مع جماعات الإرهاب المنظم تسبب فى وقوع 750 حالة وفاة إضافية لعام 2015. تنظيم الدولة الإسلامية ولاية سيناء وحده مسئول عن 78% من ضحايا الإرهاب الذين قضوا عام 2015 واحتمال مسئولية هذا التنظيم عن نسبة أكبر من وفيات المصريين قائمة، نظرا لتسجيل نحو 19% من حالات الوفاة باعتبار الجهة المسئولة عنها غير معلومة. وقد شن هذا التنظيم أولى هجماته عام 2014 متسببا فى مقتل 11 شهيدا فى 11 هجمة منفصلة! أما فى عام 2015 فقد سجل 517 جريمة قتل فى 111 هجوما إرهابيا.
ثالثا الهجمات الإرهابية فى مصر عام 2015 لم تسفر عن أى وفيات، بعدد هجمات بلغ 493 هجوما. كان معظم تلك الهجمات عبارة عن محاولات تفجيرية غير معلومة الفاعلين. وقد شهد عام 2015 هجوما إرهابيا دمويا خطيرا راح ضحيته 224 راكبا كانوا على متن طائرة مصر للطيران المتجهة إلى روسيا من شرم الشيخ، وغنى عن البيان الأضرار الاقتصادية الكبيرة التى لحقت بمصر جراء هذا الحادث.
الهدف الأكبر لهجمات الإرهابيين عام 2015 كان قوات الشرطة والذين راح ضحيتها عدد جديد من الشهداء فى معركة الواحات البحرية الأخيرة. ثلث العمليات الإرهابية فى عام 2015 استهدف قوات الشرطة، وكانت القوات المسلحة المستهدف رقم اثنين بنسبة 25% من الهجمات، وحل المدنيون فى المرتبة الثالثة بنسبة 15% من الهجمات، بينما استحوذت الحكومة على 8% من الهجمات المذكورة.
***
سجل المؤشر العالمى للإرهاب 7,328 درجة لمصر، لتحل فى المرتبة التاسعة بين الدول الأكثر عرضة للهجمات الإرهابية بين 163 دولة، ويعد ذلك تحسنا نسبيا لوضع مصر التى تراجعت من المرتبة الخامسة فى تقرير المؤشر الصادر عام 2015. وجدير بالذكر أنه كلما تقدمت الدولة فى الترتيب، وكلما اقتربت قيمة المؤشر من عشر درجات كان مستوى الضرر أكبر فى تلك الدولة. وقد سجلت 33 دولة صفرا فى مؤشر الإرهاب لعام 2015، لتعكس قيمة المؤشر عدم وقوع أى هجمات إرهابية فيها، وبذا حصلت جميعها على ذات الترتيب (رقم 130).
هذا النوع من المؤشرات عادة ما يستخدم لتصنيف الدول، ووضعها تحت مجهر المستثمر والسائح، من أجل اتخاذ قرار من شأنه بث الحياة وضخ الأموال فى الدولة، إن جاء سجلها خاليا من الإرهاب، أو مضاعفة معاناتها بحرمانها من تدفقات الاستثمار، وإيرادات السياحة والتجارة، وغيرها من مصادر مهمة للدخل القومى، إن هى وقعت ضحية للإرهاب. لكننى أريد باستعراض هذا المؤشر أن أقيم الحجة على دول الفوائض المالية، البعيدة (مؤقتا) عن الخطر المباشر واليومى للإرهاب، والتى تخدر ضمائرها بحجة أن الإرهاب يعانيه المستبدون! هناك شعوب تخوض حربا ضروسا ضد هذا الوباء المدمر للبشرية والكرة الأرضية بأسرها. تلك الحرب يقف عدد من الدول فى خطوط مواجهتها الأولى، وتقف دول أخرى ممولة أو داعمة أو مسلِحة للإرهابيين أو فى القليل متفرجة. العالم كله عليه أن يعوض دول المواجهة الأولى (وفقا لتصنيف جامعات الغرب) عن خسائرها المادية على الأقل. ديون تلك الدول يجب أن تسقط، مرافقها وبنيتها الأساسية التى خربها الإرهاب يجب أن تبنى من جديد بتمويل غير مشروط من حكومات دول تنعم بقدر من الأمن على حساب أرواح يحصدها الإرهاب فى الدول المنكوبة به. تلك المسئولية الأممية ليست منحة أو معونة، بل ضرورة لازمة لتنمية وإعمار وربما لبقاء الأرض. أقترح أن تدفع الدول الأقل تضررا بالإرهاب «ضريبة أمن» لدول المواجهة فى صورة استثمارات كبيرة، وخلق مناخ آدمى فى الدول المستهدفة بالهجمات الإرهابية، أولا لتعويض شعوبها جزئيا عن مرارة وألم الحرب التى يخوضونها بالإنابة عن سائر الشعوب، وثانيا لخلق مناخ طارد للإرهاب، حيث إن البيئة المثالية لبقاء وانتشار الإرهاب هى الفقر والخراب.