ما تقوله القاهرة فى غيبة عشاقها
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 23 أكتوبر 2018 - 11:15 م
بتوقيت القاهرة
جرب ان تتجول فى المناطق الاثرية بالقاهرة وبالتحديد مساجد القاهرة الاسلامية وآثار منطقة الدرب الاحمر وتحرك مثلا من السلطان حسن والرفاعى ثم إلى القلعة قبل الهبوط من باب الوزير أو الدرب الاحمر لتصل إلى شارع المعز لدين الله الفاطمى.
وقبل ان تخرج من باب النصر أو باب الفتوح جرب أن تتأمل ما تراه، تجاهل قليلا مظاهر الفوضى واستمع لما تقوله المدينة.
«مصر المحروسة» تسب وتلعن، لأننا نريد أن نقنعها أنها مدينة عجوز، فقدت شبابها ومات عشاقها الذين كانوا يتبنون قضاياها.
مات يحيى حقى، ونجيب محفوظ، وكامل زهيرى وجمال الغيطانى ونعمات أحمد فؤاد وفى غيابهم عانت المدينة من الوحشة وجربت اثار الهجر والخصام، فأغلب من تبقوا من عشاقها خرجوا إلى الصحراء وأصبحوا من سكان «المجتمعات المغلقة».
تدرك المدينة أن الكل أعطى ظهره لها ولا يريد النظر فى وجهها الحافل بالتجاعيد، بل إن مفاصلها انهارت ولم تعد قادرة على ان تخدمها.
وكأى جميلة تشعر بالغيرة من «الضرة الجديدة» وتقرأ الصحف والتصريحات وتطمئن نفسها أحيانا وتقول إن خبرتها الطويلة علمتها أن «الغربال» الجديد له «شدة»، لكنها تخاف من نوايا الراغبين فى استبدالها.
تفهم مدينتنا ان للزمن أحكامه لكنها تريد شيخوخة آمنة، تذهب بها لفضاء «المدن المسنة» وليس «المدن المعاقبة»، فهى عندما تنظر داخلها لا تجد الا الفوضى والاستلاب والرغبة فى الاستيلاء على كنوزها.
وفى غمرة أحزانها التى طالت تحسد القاهرة جاراتها، وتقول لمن يحدثها عن الشيخوخة: «ليست الحكاية بالسن، فانظر لما تعيشه «اسطنبول» أو «روما» من زهو وازدهار وسياحة لا أول لها ولا آخر لتعرف أنها حظوظ فأنا اصغر منهما بكثير وربما كنت أكثر جمالا لكنه البخت وسوء الادارة وفساد الاحوال وقلة القيمة.
ترد القاهرة على من يسأل عن احوالها وتقول «هى لا تسر عدو أو حبيب» وهى تريد صيانة ماضيها بعملية ترميم وتجميل تشد الوجه وتؤجل التجاعيد، وتساعدها على أن تفرد طولها أمام الجارات.
تدعو القاهرة اولى الامر لزيارة واحدة تبدأ من مسجد السلطان حسن وهو درة تاجها فى العمارة الاسلامية ليروا كيف استولت الاتربة على جماله ولا تريد لأحد ان يقلب اوجاعها ويسألها عن الابواب أو المنابر والمشكاوات التى سرقت وبيعت فى مزادات عالمية لانها تعرف ان للبيت ربا يحميه وان هذا المسجد بالتحديد متوج بالجمال ومحاصر باللعنة.
تريد القاهرة من المسئول مهما كان اسمه ان ينزل لشارع شيخون مثلا ويرى المساجد والاسبلة متوجة بصناديق الزبالة التى لا يرفعها احد.
تريد زيارة لمسجد ابن طولون الذى هجره الناس والسياح بعد ان زال جماله وقلت قيمته وغطست الحصر والسجاجيد تحت اطنان الاتربة.
تريد زيارة لشارع المعز الذى تفد اليه الوفود ويعمه الصخب وتغتصبه الفوضى بلا أى شكل من اشكال الردع والحماية.
ومثلنا جميعا تعانى «القاهرة» من قلة الحيلة وتعرف انها لو انفجرت بالشكوى أو صرخ عشاقها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى فلن يهتم أحد بشكواهم لأن كل واحد فى سوقه.