تويت من التحرير: حان وقت فرض ضرائب على الأغنياء
حسن هيكل
آخر تحديث:
الأربعاء 23 نوفمبر 2011 - 9:35 ص
بتوقيت القاهرة
قال سيلفيو برلسكونى إن إيطاليا ليست اليونان. وقال حسنى مبارك إن مصر ليست تونس، مشيرا إلى أن تونس بلد أصغر بكثير على هامش العالم العربى يفتقر إلى ما لمصر من اتساع وأسس. وكان السيد مبارك مخطئا، وكذلك كان السيد برلسكونى. والواقع أن شرارة تونس أشعلت سلسلة ردود الأفعال أدت إلى اليقظة العربية فى أنحاء العالم العربى.
فى حالة مصر، كان النظام القديم بطيئا جدا فى ردود أفعاله تجاه الأزمة التى كانت تتحدى شرعيته، وكان ينجح باستمرار فى عدم تقديم الحل الضرورى. فقد كان الأمر يبدو وكأنه يعتمد على آلة كاتبة مناقضة لـ«الشبكة الاجتماعية».
وينطبق الشىء نفسه على أوروبا. فبينما كانت تواجه أزمة الدين العام، كان ردها بطيئا كما لاحظ كثيرون جدا. ولأن الاتحاد الأوروبى يفتقر إلى الأفكار على نحو مثير للشفقة، فهو يعطى انطباعا بأنه نظام قديم لا يمكنه فهم «نبض» السوق.
وفى ميدان التحرير، أطاح نبض الأمة بواحد من أقدم الديكتاتوريات فى المنطقة ومازال ينبض، كما رأينا فى دراما الأيام الأخيرة التى تذكرنا بأن هذه الثورة مازالت فى مراحلها الأولى.
وفى أوروبا، سوف تطيح الأسواق فى النهاية بنظام اليورو الحالى غير القادر على البقاء. ولن تضع إجراءات التقشف التى يفكرون فيها سوى المزيد من الضغط على الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية الهشة. وتعنى أسعار الفائدة المنخفضة ومعها معدل التضخم المرتفع نسبيا أن أبناء الطبقة الوسطى وأرباب المعاشات، بما لديهم من مدخرات، يدفعون ثمن تخليص اقتصاد أوروبا من الأزمة. وسوف يؤدى هذا فى النهاية إلى مزيد من المظاهرات «المعادية للرأسمالية» فى أوروبا والولايات المتحدة.
سوف يؤدى خفض ميزانيات الحكومات إلى معدلات البطالة الأعلى التى بلغت بالفعل رقما مذهلا هو 22 بالمائة فى إسبانيا، حيث يوجد عاطل من بين كل ثلاثة شبان. فهل تظن أن الشاب الإسبانى البالغ عمره 25 عاما فى المتوسط سيبقى فى بيته يشاهد مباراة برشلونة ضد ريال مدريد؟ أم يشارك فى القلاقل الاجتماعية أو ما أسميه «حركة العدالة الاجتماعية»؟
إذن، ما الذى يمكن عمله خلاف ذلك؟ لدى حل مثير للجدل. ينبغى أن نفرض ضريبة عالمية لمرة واحدة بنسبة تتراوح بين 10 و20 بالمائة على الأفراد الذين لديهم ثروة تزيد على 10 ملايين دولار، على أن تذهب عائدات الضرائب إلى البلد الذى ينتمون إليه.
إجمالى ثروة هؤلاء الأفراد أى من يزيد صافى ثروتهم على 10 ملايين دولار حوالى 50 ألف مليار دولار. ومن المفارقة أنهم أو بالأحرى «أننا» يمثلون أقل من واحد من بين كل 10 آلاف من سكان العالم.
سوف تكون العائدات العالمية لما أسميه «ضريبة ميدان التحرير»، إذا تم تحصيلها بنسبة 10 بالمائة، حوالى 5 آلاف مليار دولار. وسوف تتلقى أوروبا 1500 مليار دولار، وهو ما يكفى ويفيض لمعالجة أزمة الدين العامة الأوروبية. وسوف يخفض ذلك الدين العام الخاص بمنطقة اليورو، باستثناء دين ألمانيا وفرنسا، إلى ما دون 50 بالمائة من إجمالى الناتج المحلى.
فى معظم الأسواق الناشئة، كمصر، ناهيك عن إفريقيا، سوف تكون نتائج تلقى تلك الثروة غير المتوقعة هائلة. وسوف يكون طموحى هو أن تقلل الحكومات الدين العام، مما يسمح لها بالاستثمار فى البينة التحتية والأبحاث وغيرها من وسائل تنشيط أسواق العمل. وسوف يبدو هذا بطبيعة الحال صعب التنفيذ إلى حد كبير وسوف يكون صرف هذه الهبة عرضة للفساد بشكل كبير. لكن الجدير بالملاحظة، باعتباره سابقة، هو مفهوم الزكاة فى الإسلام. فالزكاة، وهى أحد أركان الإسلام الخمسة، هى خصم من الثروة بنسبة 2.5 بالمائة سنويا، وينظر إليها بصورة عامة على أنها تدفع طواعية.
فى الولايات المتحدة، سوف تخفض نسبة الدين إلى إجمالى الناتج المحلى إلى 80 بالمائة، مما يتيح للحكومة الأمريكية مساحة للتنفس وفرصة للإنفاق على المبادرات الجديدة والبنية التحتية والرعاية الصحية وتعزيز النمو العالمى.
فلماذا إذن لن يحتشد الأغنياء ضدها؟ علينا أن ندرك أنه إذا اختفى الشك الذى فى الأسواق، فسوف ترتفع تقديرات الأسهم والأصول بشكل كبير وفى رأيى بما يزيد على تكلفة الضريبة التى يدفعها الأغنياء مرة واحدة، مما يجعل الأغنياء أكثر ثراء.
لم يدفع كبار الأغنياء ما عليهم للمجتمع فى السنوات الأخيرة، والكثير منا يعرفون ذلك. وكان متوسط ضريبة الدخل الشخصى على الأغنياء أقل بكثير من الذى يدفعه أجراء الطبقة المتوسط. وفى الأسواق الناشئة، الأرباح الرأسمالية والضريبة التى تخصم من المنبع على أرباح الأسهم معفاة من الضرائب. بعبارة أخرى، السلالة الجديدة من كبار الأغنياء لا يدفعون ضرائب شخصية.
بالنسبة للرئيس باراك أوباما سيكون هنا عائد حقيقى. ذلك أن «ضريبة التحرير» سوف تمنح أمريكا أرضية تفوق أخلاقى وتستعيد الحلم الأمريكى الذى خرج عن مساره. ولكى أعود إلى موطنى مصر، الذى يموج بالثورة من جديد، يمكن أن تأتى الضريبة للحكومة بأكثر من 5 مليارات دولار، وهو ضعف مبلغ تخفيف الدين الذى يجرى التفاوض عليه مع صندوق النقد الدولى.
إذا كنا جادين بالفعل بشأن الخروج من الأزمة الحالية، ينبغى على الأغنياء دفع ما يجب عليهم دفعه.