دروس من الميدان
معتز بالله عبد الفتاح
آخر تحديث:
الأربعاء 23 نوفمبر 2011 - 12:30 م
بتوقيت القاهرة
الحديث مع أبناء مصر المشاركين فى الثورة يوضح لنا عدة أمور تستحق أن نتوقف أمامها.
أولا، هناك كفر بالنخبة السياسية القائمة لأنها ببساطة تغلب ما هو سياسى على ما هو إنسانى. هذا شعور عميق عند كثيرين ممن التقيت بهم فى الميدان. شباب ورجال محترمون لأقصى درجة، ولا أستطيع التعميم على الجميع، ممن يظن أن هناك من يتاجر بهم ويريد من ورائهم مكاسب ضيقة، لكنهم أصبحوا فى حالة حذر شديد من كل قادم يريد أن يمارس القيادة عليهم.
ثانيا، هناك كفر بالمجلسين العسكرى والوزارى وشعور استثنائى بأن معظم أعضاء هذين المجلسين غير أمناء على ما أعطاهم الثوار من أمانة إدارة البلاد فى مرحلة ما بعد الثورة.
ثالثا، هناك توافق على أن المطلب الأول والأوضح هو محاكمة كل المسئولين عن قتل وإصابة أبنائنا الذين كانوا يمارسون حقا مشروعا لهم بالتظاهر السلمى. ويضاف إلى هذا المطلب الإعلان الواضح والصريح عن موعد تسليم السلطة إلى المدنيين كاملة غير منقوصة، وأن يكون هذا الموعد فى أقرب وقت ممكن. لدرجة أن البعض يريد أن تكون انتخابات الرئاسة مع انتخابات مجلس الشعب. التخلص من حكومة شرف واستبدالها إما بمجلس رئاسى مدنى، أو حكومة إنقاذ وطنى يحظى بتوافق كثيرين، المهم فى الحالتين ألا تكون هناك سلطة سياسية فى يد المجلس العسكرى على الإطلاق لأنه أساء استخدامها إما بسبب سقف علم منخفض أو بسبب سوء طوية شديد جعلهم يعملون كل ما فى جهدهم كى يفرغوا الثورة من مضمونها.
رابعا، هناك اتجاه عام لقبول فكرة أن تجرى الانتخابات التشريعية فى موعدها كجزء من سعى المعتصمين للتخلص من الدور السياسى للمجلس العسكرى، مع اقتراح البعض أن تؤجل الانتخابات فى القاهرة تحديدا إلى أى من المرحلتين الثانية والثالثة.
خامسا، الإحساس بالحيرة عال جدا، وغياب القيادة واضح. والتفاف الناس حول الزائرين ممن يتوسمون فيهم شيئا من العلم يؤكد أن العقل السياسى المصرى تحرك بسرعة عالية فى مساحة هائلة من التشكك فى كل ما يقال، ومن التخوف مما ينويه المجلس العسكرى.
سادسا، هناك توجه عام بأن المجلس العسكرى نجح فى أن يبدد رصيد المحبة والاحترام والتقدير الذى كان سائدا بين جموع الثائرين حين أعطى الانطباع لهم أنه تبنى الثورة وقيمها وأهدافها وأنه حريص عليها. أما الآن، فالمجلس نجح فى إهدار ثقة ملايين المصريين فيه، بعد أن رأوا فى مصر ما بعد الثورة، ما لم يكن يحدث مثله فى مصر ما قبل الثورة.
سابعا، هناك فراغ واضح فى القيادة، حيث التخوف الواضح من إنتاج نخبة جديدة بمنصاتها العالية ومكبرات الصوت الزاعقة التى تعد وتندد، تبشر وتنذر وكأنها تتاجر بأحلام البسطاء أكثر منها مستعدة للتضحية من أجلهم.
ثامنا، لن يكرر الميدان خطأ اختيار رئيس وزراء بالانطباع الأولى أو المصادفة البحتة، الأمر جد خطير ولا ينبغى أن يؤخذ باستخفاف.
هذا مخاض صعب، لا شك فى هذا. وما جعله أكثر صعوبة، الارتباك فى الإدارة. وعليه، نحن بحاجة لانتخابات قيصرية عاجلة لإخراج المولود (الثورة) من رحم الأم (مصر). كنا نحسب أن المجلس الأعلى هو الجراح الذى سيفعل ذلك بالسرعة والمهارة الملائمتين، ولكنه أثبت أن تقاليد مبارك فى الحكم انتقلت إليه. والخاسر، من أسف، مصر. ولكن هذا الشعب القوى، مر بمحن أعنف من هذه، وبصعاب أشد منها، ولكنه كان دائما قادرا على أن يوقف نزيفه، وأن يقف على قدميه، وأن يبصر قصده، ويملك زمام أمره لينهض من جديد. هكذا نحن، ولا جديد فى هذا. إلا أن علينا أن نتعلم من أخطائنا.