هل ضمر العقل السياسى المصرى؟
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
السبت 23 نوفمبر 2013 - 7:00 ص
بتوقيت القاهرة
كل الشواهد فى مصر تدل على شىء واحد هو ضمور العقل السياسى المصرى وتآكل فاعليته الذهنية.. فلا إبداع ولا تطوير ولا تجديد ولا مراجعة لأخطاء الماضى سواء لدى الحكومة أو المعارضة أو القوى السياسية المختلفة أو بقايا الثوار.
وحكاية أحداث محمد محمود هى نموذج لذلك ففى الأولى حوصرت وزارة الداخلية فترة وسقط قتلى وجرحى وحرقت مبان كثيرة أهمها المتحف العلمى حيث ألقى بعض المتظاهرين عليه المولوتوف.
والغريب أن الذين حرقوه كانوا فرحين ويشيرون بعلامة النصر.. ولا أدرى على أى شىء انتصروا.. وأعتقد أنهم لم يسمعوا طوال حياتهم عن هذا المتحف الفريد الذى لم نستطع أن نحافظ عليه وتمت سرقة ما تبقى من محتوياته وبيعت بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيها من الزاهدين.
المهم مضى الحادث الأول بما له وما عليه.. وإذا بالشباب فى الذكرى الأولى للحادث يريد الاحتفال بشهداء محمد محمود.. هذا طبيعى وهذا حقهم. ولكن هل يكون الاحتفال بتكرار الحادثة الأولى بمآسيها وآلامها وأحزانها ودمائها وحرائقها ومولوتوفها؟
وهل يعقل أن يحتفل البعض بذكرى الشهداء فيوقع مزيدا من القتلى والجرحى ــ ولكن هكذا كان العقل المصرى وقتها ــ ومزيدا من المواجهات والحرائق؟
وهكذا حدثت مأساة محمد محمود الثانية.. قتلى وجرحى وحرائق.. ومولوتوف يحرق السيارات وغاز يخنق السكان الآمنين الذين لا ناقة لهم ولا جمل فى الصراع السياسى.. وهكذا حرق المولوتوف أعرق مدارس مصر وأقدمها وهى مدرسة الليسيه الخاصة فى استهتار عجيب من الطرفين بالممتلكات العامة والخاصة.
ومنذ عدة أيام جاءت الذكرى الثانية لأحداث محمد محمود ليرغب البعض فى تكرار الأحداث للمرة الثالثة.. بنفس الطريقة والسيناريو ومحاولة محاصرة الداخلية واقتحام جامعة الدول العربية.. وتتكرر المأساة «كلاكيت ثالث مرة» ويسقط فى هذه المرة شهيدان أيضا.. وعشرات الجرحى ويقبض على 30 من الشباب ليعيش أهالى القتلى والجرحى والمقبوض عليهم فى تعاسة وشقاء دون أن يستفيد هذا الشباب أو الوطن شيئا فتكون ممن ينطبق عليهم الحديث الشريف «فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى».. فلم نحافظ على أبنائنا ولم نحقق هدفا لأنفسنا وأوطاننا.
والأغرب من ذلك كله أن يقوم بعض الشباب فى سابقة فريدة هى الأولى من نوعها بحرق العلم المصرى أمام أعين الجميع وكأنهم يحرقون علم إسرائيل أو دولة معادية.
ماذا أصاب العقل السياسى المصرى الذى يصر فى كل مرة على أن يكرر المآسى بنفس الطريقة العقيمة عدة مرات.
لقد ذكرنى ذلك كله بالعلويين الذين ظلوا يخرجون على الدولة الأموية بالسلاح مرة بعد أخرى طوال مائة عام كاملة بنفس الأسلوب وبذات الطريقة دون أى تغيير أو تطوير.. وكلما هزم أو هلك لهم جيش.. قام آخرون بتكرار المحاولة تحت عنوان «الثأر لشهداء الجيش الأول».. وهكذا حتى مكثوا مائة عام دون أن يحققوا أية نتيجة.. لأنهم يكررون أسلوبهم وأخطاءهم وسلبيات مواجهتهم فى كل مرة مع الأمويين المعروفين بالذكاء والدهاء السياسى والعسكرى والذين استطاعوا استمالة محمد بن الحنفية نفسه شقيق الحسن والحسين رضى الله عنهما فضلا عن آخرين.. وتحييد كبار الصحابة عن هذا الصراع الذين رأوا فيه صراعا بلا جدوى.
أما الحكومة المصرية فقد أصاب عقلها الضمور السياسى أيضا فأحداث محمد محمود تكررت 3 مرات دون أن تغير الحكومة من طريقتها أو تستبق الحدث بفترة طويلة بإجراءات سياسية ترضى طموحات الشباب وتحتويه وتشعره بأنه جزء أصيل من وطنه وتستبعد السيئين وتقتص من القتلة.. وتقبض على البلطجية وأطفال الشوارع والمسجلين جنائيا الذين يندسون فى الصفوف فى مثل هذه الذكريات بسلام.