الحريات والحقوق ليست مجرد ترف

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: السبت 23 نوفمبر 2013 - 7:00 ص بتوقيت القاهرة

استوقفتنى خلال الفترة الماضية مطالبة بعض القراء الكرام لى «بإدانة الإرهاب والعنف» كلما هاجمت القمع وانتقدت عودة الإجراءات الاستثنائية وممارسات الدولة الأمنية، وكذلك دعوتهم لى «للكف عن الحديث الرومانسى» عن حقوق الإنسان والحريات. وحيث أن الإدانة القاطعة للإرهاب وللعنف تحضر دائما فى كتاباتى وأتناول بانتظام الشروط والمقومات الواقعية للحقوق وللحريات، فإن مطالبة ودعوة القراء الكرام هاتين تدللان من جهة على استنكارهم لمجرد الربط بين مواجهة الإرهاب والعنف وبين الدفاع عن ضرورة حماية حقوق الإنسان والحريات، ومن جهة أخرى على استبعادهم إدراكيا وسياسيا لأن تكون الحقوق والحريات هذه أكثر من «مجرد ترف» لا تتحمله مصر اليوم أو «محض رفاهية» يطالب بها حالمون لا يبالون «بأمن الدولة واستقرار المجتمع». وللاستنكار وللاستبعاد خلفيات ومقولات تستدعى التفكيك، ولهما تداعيات خطيرة يتعين مواجهتها بالتوعية المستمرة للرأى العام.

يأتى استنكار الربط بين مواجهة الإرهاب والعنف وبين حماية الحقوق والحريات على خلفية الخوف المشروع لدى المصريات والمصريين من تصاعد العمليات الإرهابية فى سيناء واتساع نطاقها ما لم تواجهها المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية بحسم وقوة. وقبل أن تنجح الأصوات المدافعة عن الحقوق والحريات فى التمييز بين الحسم والقوة الممكنين فى إطار احترام الدولة للقانون وسيادته وبين التورط فى العنف الرسمى، تتلقف أبواق المكون العسكرى ــ الأمنى وجموع السياسيين والإعلاميين الراغبين دوما فى خدمة «السلطان» والالتحاق بركب الحكام خوف الناس وبحثهم عن الحسم والقوة ويزيفونه إلى مقولات أحادية. تستبعد باسم «الشعب» حقوق الإنسان والحريات، ويطالب باسم «الشعب» بالقضاء على الإرهاب والعنف دون التفات لأصحاب «الأيادى المرتعشة» و«الطابور الخامس» المدافع عن «ترف» حقوق الإنسان، ويرفض أيضا باسم «الشعب» كل تشديد على ضرورة احترام سيادة القانون والامتناع عن تجاوزها، ويسفه من التحذير من خطر التعويل على الحلول الأمنية فقط وكارثية انزلاق مواجهة الإرهاب إلى دائرة شيطانية من عنف الإرهابيين وعنف مؤسسات الدولة وأجهزتها.

 

ولتفكيك الخلفيات هذه وللعمل على تحرير الرأى العام من هيمنة المقولات الأحادية التى تدفع لاستنكار الربط بين مواجهة الإرهاب والعنف وبين حماية حقوق الإنسان والحريات ولاستبعاد ضرورة الدفاع عنها، يتعين على الأصوات المدافعة عن الديمقراطية الترويج المستمر ودون يأس أو استعلاء لأربع مقولات مضادة:

• الإدانة الكاملة للإرهاب وللعنف ورفض الزج بالدين أو السياسة لتبريرهما ومطالبة كل القوى السياسية والمجتمعية بنبذهما علنيا ورفع الغطاء عنهما.

• التدليل على أن المواجهة الأمنية للإرهاب وللعنف «بحسم وقوة» من قبل مؤسسات الدولة وأجهزتها لا تستدعى تفويضا شعبيا ولا تجاهلا لسيادة القانون أو تجاوزا لضمانات الحقوق والحريات، بل تتطلب لعزل الإرهابيين ومجموعاتهم وشبكاتهم التى تنتهك حق الإنسان الأساسى فى الحياة وحق المجتمع فى الأمن أن تقدم الدولة نموذجا إيجابيا يتسم باحترام القانون ويمتنع عن التورط فى العنف الرسمى بينما يوظف جميع الأدوات المتاحة قانونا للمؤسسة العسكرية وللأجهزة الأمنية للقضاء على الإرهاب وتقديم مرتكبيه إلى العدالة متجسدة فى السلطة القضائية.

• التشديد على أن عدم الالتفات إلى حقوق الإنسان والحريات حين تواجه الدول والمجتمعات الإرهاب أمنيا يراكم المظالم ويغيب العدل، ويرتب من ثم الانزلاق إلى الدائرة الشيطانية من عنف الإرهابيين والعنف الرسمى وقد يحد من الرفض الشعبى الكاسح للإرهاب ويمنحه مبررات زائفة تطيل من أمده.

• التأكيد، وعبر تقديم تحليلات رصينة لنماذج إقليمية وعالمية، على أن مواجهة الإرهاب والعنف تحتاج بجانب المكون الأمنى ــ وليس كبديل له ــ إلى مقاربة سياسية أشمل تستهدف حماية كرامة وحقوق وحريات المواطن فى المناطق التى تشتعل بها المواجهة ــ سيناء اليوم فى مصر ــ وتباعد بينه وبين التورط فى دعم أو تأييد الإرهابيين بإقناعه بعدل الدولة وبصونها للصالح العام وتعالج «بحسم وقوة» الأزمات المجتمعية المزمنة ــ كملكية الأراضى فى سيناء وقصور جهود التنمية المستدامة وضعف مستويات الخدمات المقدمة للمواطن هناك ــ وفى إطار إشراك المواطن فى عمليات اتخاذ وتنفيذ القرار والتزام مبادئ الشفافية والمساءلة والمحاسبة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved