برلمان فى مفترق طرق
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 23 نوفمبر 2015 - 11:30 م
بتوقيت القاهرة
طبقا لتوقعات فانتازية كتبها أحد أصدقائى الافتراضيين فى صفحته على الفيس بوك، فإنه «بعد الاطلاع على نتائج انتخابات2012 و2015 النزيهتين تماما، فإن أول أهداف الثورة القادمة، بعد عمر طويل، ستكون مطالبة الحكومة بتزوير الانتخابات»، فى إشارة ساخرة إلى أن البرلمان الحالى لن يأتى بنواب على قدر المسئولية الملقاة على عاتقهم!
بالقطع لن يكون التزوير هو الحل الحقيقى لإيجاد برلمان قوى، يراقب الحكومة ويسن القوانين ويجيز الميزانية ويشارك الرئيس فى الحكم، وبالتأكيد أيضا لن تندلع مظاهرات أى ثورة فى العالم للمطالبة بتزوير الانتخابات، لكن الانطباع العام بعد الانتخابات الباردة منزوعة السياسة التى انتهت مرحلتها الثانية والأخيرة أمس، أن مجلس النواب القادم سيكون مسرحا عبثيا لفوضى برلمانية عاتية، قد لا تهدده بالحل كما يرى المتشائمون، أو بالشلل كما هو الحال فى البرلمان اللبنانى الذى فشل على مدى اكثر من 30 جلسة فى التوافق على اسم مرشح لرئاسة الجمهورية هناك، لعجزه عن الانعقاد بنصابه القانونى، ولكنه بالتأكيد لن يكون، فى نظر الكثيرين، البرلمان الذى يعبر عن ثورتى يناير ويونيو!
سوء الظن بقدرة وكفاءة وحيوية البرلمان القادم لها أكثر من مبرر وسبب، منها ما يرتبط بتركيبته السياسية المتنافرة، ومنها ما يتعلق باحتمال عجزه عن تحقيق أغلبية تعبر فعلا عن الشعب وعن استيعاب معارضة حقيقية تمارس دورها بالجدية المطلوبة، ومنا ما يتصل بالشائعات التى تلاحقه بسيطرة رجال من المخابرات على قوائمه، وبتساؤلات عن مدى قدرتهم على ابتكار حلول سياسية لا أمنية للقضايا المعروضة عليه، ومنها أيضا ما يثار حول وجود أصابع خفية لقيادات من فلول الحزب الوطنى المنحل بداخله، وقبل ذلك كله فهو برلمان يعانى من تدنى نسب المشاركة فى انتخابات نوابه، ومن ابتعاد الشباب عنها بل وعن توجهات النظام بأكمله!
واقع الأمر، سوف نحصل على البرلمان الذى تستحقه أوضاعنا السياسية الراهنة، والذى يعبر عن نقاط ضعفنا ونقاط قوتنا، قد يكون مجرد ديكور ديمقراطى، ولكنه أيضا يمتلك الفرصة لكى يثبت أنه يمتلك الذكاء السياسى الكافى الذى يجعله لا يكرر تجربة برلمان أحمد عز، الذى وضع المسمار الأخير فى نعش إمبراطورية فساد حسنى مبارك!
الحالمون والواهمون هم فقط الذين يتوقعون برلمانا ثوريا فى ظل أوضاعنا السياسية الراهنة، فنحن ندفع الآن الفاتورة الباهظة لتأميم السياسة فى عهد عبدالناصر، ثم تجريفها فى عهدى السادات ومبارك، حيث نفتقد فى الغالبية العظمى من أحزابنا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، تراثا ديمقراطيا يمكن أن نستند إليه فى إدارة خلافاتنا السياسية وتناقضاتنا الاجتماعية، وحتى أحزابنا الراديكالية التى قد يمتلك بعضها رؤية مغايرة لنظمنا السياسية الراهنة، فإنها تفتقد إلى التواصل مع جماهيرها، بشكل يمكنها من لعب دور مؤثر على الساحة.
كل هذه العوامل تخصم من رصيد البرلمان ومن مصداقيته، خاصة فى ظل تصريحات أطلقها البعض برغبتهم فى إجراء تعديلات جوهرية على الدستور، تلغى الصلاحيات التى أعطاها للبرلمان فى مواجهة مؤسسة الرئاسة، ومع ذلك فإنه من الظلم ــ حتى إشعار ثورى آخر ــ الحكم النهائى بفشل هذا البرلمان، قبل أن نشاهد ما يدور فى جلساته، ونرى أداء نوابه ومدى قدرتهم على بناء مؤسسة تشريعية ديمقراطية قوية!