عن الشعبوية وسنينها!
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 23 نوفمبر 2020 - 9:25 م
بتوقيت القاهرة
مع تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عام 2016، انتشر فى الصحف ومراكز البحوث الغربية مصطلح «الشعبوية» كصفة للسياسات التى اتبعها واتبعتها أيضا القوى السياسية اليمينية فى العديد من دول العالم، كما هو الحال فى إنجلترا وإيطاليا ومعظم دول أوروبا الشرقية والهند والبرازيل وغيرها، والتى صعد نجمها لعنان السماء وتولى أغلبها السلطة فى بلادها. وحتى فى الدول إلى لم تصل فيها للحكم، حققت هذه القوى الشعبوية انتصارات انتخابية تاريخية كما هو الحال فى فرنسا وألمانيا.
ومع اختلاف درجات «الشعبوية» بين بلد وآخر، لكنها جميعا اتفقت على الحد الأدنى من الأفكار على رأسها السياسات العنصرية المعادية للأجانب التى وصلت لغلق الحدود خاصة مع انتشار فيروس كورونا، والتقليل ــ إن لم يكن التحقيرــ من شأن الأقليات والنساء، وعدم احترام المؤسسات الدستورية والتقاليد السياسية ومخاطبة الفئات الأقل وعيا وتعليما وثقافة فى مجتمعاتها ودغدغة مشاعرهم القومية الزائفة.
لكن الأخطر فى كل سياسات هذه القوى الشعبوية كان اتخاذها اجراءات تشبه الانقلاب العسكرى على كل المقدسات الليبرالية الغربية مثل حرية السوق وتبادل السلع والخدمات بين دول العالم بدون اجراءات حمائية تعوق حركة التجارة العالمية، والحق فى التنقل والسفر، واحترام وتعزيز حقوق الإنسان وحرياته فى مختلف دول العالم.
المؤكد أن سوء توزيع الثروة القومية فى هذه الدول هو السبب الحقيقى وراء صعود هذه القوى الشعبوية فيها، خاصة أن سياسات العولمة التى انتشرت خلال السنوات الماضية أصابت فئات اجتماعية عديدة فى هذه الدول بأضرار اقتصادية بالغة، حيث فقد الملايين وظائفهم، وانهارت مستويات معيشتهم، كما عانت الكثير من الدول الأوروبية كإنجلترا على سبيل المثال من تدفق العمالة الرخيصة من دول أوروبا الشرقية مما ادى لانسحابها الاتحاد الاوروبى، لكن هذه القوى الشعبوية بدلا من أن تبحث عن حلول حقيقية لسوء توزيع الثروة القومية، اختارت الرجوع للخلف للحفاظ على مصالح الكيانات الرأسمالية الكبيرة فيها، حتى لو كان ذلك على حساب كل معتقداتها الراسخة حول حرية السوق والتجارة العالمية.
قد تتغير الأوضاع قليلا أو كثيرا مع سقوط ترامب وتولى بايدن رئاسة أمريكا، فهو أمر يعتمد على قدرته على احتواء مطالب ــ إن لم يكن غضب ــ أكثر من 70 مليون أمريكى أعطوا أصواتهم لترامب، ويريدون استمرار سياساته التى وفرت لهم فرص عمل أصبح مصيرها مجهولا إذا اتبع بايدن سياسات مغايرة!
العالم كله يتأهب لدخول مرحلة غامضة فى تاريخه، أزماتها ستكون أكثر تعقيدا، الشعبوية خسرت معركة لكنها لم تخسر الحرب بعد، ترامب نفسه يحلم بخوض الانتخابات المقبلة فى 2024، والشعبويون فى مختلف قارات العالم لا يزالون فى السلطة، وطريق البحث عن نظام عالمى اقتصادى جديد أكثر عدالة وانسانية لا يزال مفروشا بالأشواك بل والألغام، وبايدن لا يملك عصا سحرية يغير من خلالها هذه الأوضاع سواء داخل بلاده أو خارجها.
فى كل الأحوال ستكون منطقتنا البائسة موضع اهتمام بايدن بشكل أو بآخر، صحيح أننا كنا خارج التاريخ عندما تقاعسنا عن التفاعل بالشكل الملائم مع سياسات العولمة لكى نستفيد من إيجابياتها، كما فعلت العديد من دول العالم، كما أننا أيضا وقفنا مع التيارات الشعبوية خاصة فى نسختها الأمريكية، وسمحنا لترامب بابتزاز مليارات الدولارات من ثرواتنا لتقوية نفوذه الداخلى، وهو أمر قد يفسر غضب بايدن من بعض حكام المنطقة، لكنه غضب لن نشهد ترجمته السياسية بصورة واضحة، إلا بعد أن يرتب أموره وأوراقه مع أزماته الداخلية ومع حلفائه فى أوروبا ويعيد صياغة علاقات بلاده مع الصين، وهو وضع لا يمكن أن نتجاهله خاصة مع التغييرات الكبيرة المتوقعة التى ستصاحبه!