سالب واحد
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 23 نوفمبر 2021 - 8:15 م
بتوقيت القاهرة
على الرغم مما يتردد فى وسائل الإعلام عن وجود أزمة مسرح، إلا أن المتابع للحركة المسرحية لن يقبل بهذا الرأى بسهولة. إذ إن هناك عدة عروض مسرحية لفتت الأنظار بقوة خلال السنوات الأخيرة.
أصبح لدينا أسماء مخرجين ومؤلفين وممثلين وفنانى مسرح على قدر كبير من التميز، نجحوا فى تقديم عروض لا تنسى ويكفى أن نذكر أسماء مثل محمود فؤاد صدقى مخرج «مسافر ليل» أو تامر كرم مخرج «إنهم يقتلون الغناء» أو «محمد جبر» مخرج مسرحية «1980 وإنت طالع» التى كتبها محمود جمال حدينى.
وللأسف فإن الكثير من هذا الإنتاج لا يصل للناس بالقدر الذى يلائم الجهد المبذول فيه، وبالتالى يتكرر الحديث عن الأزمة، فى حين أننا أمام مشكلة أخرى هى غياب «فاترينة العرض» وهذه المشكلة يعانى منها إنتاجنا الثقافى كله حيث تزداد الفجوة فى العلاقة بالجمهور.
لا جدال فى أن الدولة تبذل الكثير من الجهود فى اتجاه الإنتاج المسرحى لكن الكثير منه يقدم فى ليالى عرض محدودة، وبدون دعاية حقيقية ومن ثم تفقد قدرتها على صناعة التأثير المطلوب.
وآخر ضحايا هذه السياسة عرض (أحدب نوتردام») للمخرج المتميز ناصر عبدالمنعم لأنه قدم فى أيام عرض محدودة لا تلائم اسم المخرج ورصيده من الأعمال المتميزة.
وأنا أتحدى لو أن أحدا فى مصر قد علم بعودة المخرج الكبير سمير العصفورى للعمل من جديد على خشبة المسرح القومى الذى يعانى بدوره من مشكلة مزمنة ناتجة عن وجوده فى منطقة تحولت إلى جزيرة عشوائية كبيرة اسمها ميدان العتبة ومن المستحيل على أى مواطن عاقل الدخول إلى المسرح أو لمسرحى الطليعة والعرائس المجاورين، ما لم تكن لديه القدرة على التخفى وارتداء طاقية اخفاء تمكنه من بلوغ مقعده.
تحتاج هذه المسألة إلى حل حقيقى، وطالما أن هناك الكثير من المظاهر التى تؤكد قوة حضور الدولة، فمن باب أولى تأكيد حضورها فى المكان العام، فلا أحد يجادل فى أن استعادة الفضاء العام حول منطقة المسرح القومى والأزبكية مهمة أصيلة من مهام الحكومة.
وعلى ذكر المسرح لابد من الإشارة إلى أن مسرح الهناجر شهد خلال الأسبوع الماضى عرضا مسرحيا فذا هو «سالب واحد» إنتاج المعهد العالى للفنون المسرحية، لم تتجاوز ميزانية إنتاجه كما أخبرتنى الصديقة العزيزة الدكتورة عبير فوزى الاستاذ بالمعهد أكثر من 5000 جنيه شأن بقية العروض الطلابية التى تقدم فى مهرجان زكى طليمات الذى ينظمه المعهد، حيث تم اختياره من بين 76 مشروعا.
نال هذا العرض أكثر من 25 جائزة عبر عامين ولأن «وباء كورونا» حاصره، فقد سعت عبير فوزى لترتيب عدة ليالٍ للعرض فى «الهناجر» واستجاب لطلبها الصديق العزيز خالد جلال والمخرج شادى سرور الذى استطاع خلال فترة وجيزة استعادة بعض مما كان للهناجر من حضور ونأمل أن يواصل سياسة استضافة العروض الناجحة مثلما فعل مع «سالب واحد» الذى جاء أقرب لحديقة انسانية تحفل بزهور كثيرة، رعاها بكفاءة المخرج عبدالله صابر وقدم من خلالها رسالة إنسانية واضحة فى لفت الأنظار لقضية الاطفال ذوى الهمم وما يتعرضون له من تنمر داخل الأسر والتقط معاناة أولياء أمورهم وما يعانون منه فى إدارة هذا المأزق.
تناول صابر هذه المآزق عبر نص محكم كتبه محمد عادل وقدمه ممثلون على قدر كبير من الموهبة وأول هؤلاء أحمد عباس بطل العرض الذى جسد دور الطفل المعاق ذهنيا وجسديا، بأسلوب فريد أظهر قدراته الجسدية والتعبيرية وهو ممثل ينتظره مستقبل كبير وإلى جواره يارا المليجى، التى حصلت عن دورها فى هذا العرض على جائزة أفضل ممثلة صاعدة فى المهرجان القومى للمسرح، ولعبت دور الراوية لكن موهبتها انفجرت فى المشهد الأخير.
أما سالى سعيد فهى ممثلة مدهشة تحمل قدرات فذة فقد أدت دور الأم وقدمت طبقات أدائية تشير لقدراتها الكبيرة بسلاسة مبهرة، وهناك أيضا مصطفى رشدى الذى أدى دور الأب بانضباط انفعالى مدهش ولم يتورط أبدا فى الخروج عن الشخصية رغم وجود ما يغرى بذلك.
ولعل أجمل ما فى العرض الذى حضرته وزيرة الثقافة مؤكدة دعمه بجميع الفرص أن وقفت خلفه أستاذة عظيمة مثل عبير فوزى أستاذ التمثيل بالمعهد، تنتمى لسلالة نادرة من الأساتذة الرعاة الذين يرعون طلابهم ويتحمسون لهم ويشعرون
بالمسئولية تجاه مواهبهم. انها من الفصيل النادر الذى سبقتها إليه نهاد صليحة وسماه الفنان الراحل بهجت عثمان (الإنسان الشجرة) الذى يضرب جذوره فى الأرض ويزدهر بعطاءات كثيرة ويمد ظله ليهب من حوله نسمة هواء.
أعرف عبير فوزى منذ سنوات الدراسة، لكنها غابت وحين عادت دعتنى لحضور هذا العرض الذى منحنى ما هو أكثر من الأمل وأعاد لى الثقة فى الطاقات التى يقدمها معهد الفنون المسرحية الذى كنا قد نسيناه فى غمرة ما أحاطنا من يأس.