ثلاثية التعديل الوزارى
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 23 ديسمبر 2019 - 7:10 م
بتوقيت القاهرة
تعديل وزارى جديد تبدلت فيه مواقع وزراء، وشهد خروج آخرين من التشكيلة الحكومية، وهو أمر طبيعى يحدث مع كل تغيير وزارى، واسعا كان أو محدودا، وإن كان التعديل الأخير لا نقول جاء خارج التوقعات، بل أقل مما جرى تداوله عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى التى حملت العديد من التغريدات التى لم يصمد منها سوى اسم أو اثنين.
قبل التعديل الأخير توسع البعض فى الحديث عن تغييرات كبيرة قد تصل إلى نصف التشكيلة الحكومية، وقيل إنها ستطال بشكل أساسى المجموعة الخدمية كالتعليم والصحة، غير أن ما جرى فى الواقع الفعلى عقب موافقة البرلمان وأداء الوزراء الجدد اليمين الدستورية أمام الرئيس، كذب غالبية التوقعات والأمانى التى راودت أحلام البعض بخروج وزيرى التعليم طارق شوقى، والصحة هالة زايد.
طبعا فى ظل شح المعلومة المؤكدة حول ما جرى ودار فى كواليس التعديل الوزارى الأخير، قبل إعلانه، شهدت بورصة التكهنات التى قد يرقى بعضها إلى الشائعات، فرصة للنشاط والحركة على مواقع التواصل الاجتماعى، وتداول الأمر على هامش المنتديات والمؤتمرات التى عقدت أخيرا هنا وهناك، حيث تصادف من يوحى إليك بأنه مطلع على بواطن الأمور، والخبير «العلامة الفهامة» فى أصول تشكيل الوزارات، فجاء التعديل ليقول لهذا النوع من الناس أنت «كاذب فى عينك».
كان البعض قبل أيام من التعديل يروج أسماء بعينها لتولى حقائب قائمة أو مستحدثه، وربما صدق أصحاب تلك الأسماء أنفسهم ومشوا فى خيلاء انتظارا للجلوس على الكرسى الوثير، لكن الرياح لا تأتى بما تشتهى السفن، وطارت الأحلام، ليصحوا على واقع «أصدق أنباء» من أى ترويج، وأكثر قسوة على كل «عبده مشتاق»، داعبته الأمانى لأيام وشهور لكن تجاهلته التعديلات.
ربما يستفيض البعض فى شرح وتفسير أسباب خروج هذا الوزير، أو الاستعانة بتلك الشخصية لتولى المنصب، وقد يتوسع البعض الآخر فى مدح صفات وقدرات من جاءوا على رأس هذه الوزارة أو تلك، وهو أمر عادة ما يرافق كل تغيير أو تعديل فى الحكومة، غير أن الأصل فى الأمور يكمن فى سؤال: وماذا بعد؟ وهل سيكون هؤلاء على قدر المسئولية فى تلبية احتياجات الناس فى المأكل والملبس والتعليم والتوظيف والعلاج؟
تحمل الشارع المصرى منذ تحرير سعر صرف الجنيه قبل ثلاثة أعوام، ولا يزال، فاتورة «الإصلاح الإقتصادى» الذى ضغط بقوة وعنف على الطبقة الوسطى، وزاد من معاناة الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل، عقب سلسلة من الارتفاع فى أسعار السلع والخدمات، صحيح بعضها تراجع الآن غير أن هذا التراجع لا يزال بنسب أقل كثيرا مما ينتظره الناس.
اليوم تأتى حكومة الدكتور مصطفى مدبولى فى ثوبها الجديد وقد تحررت قليلا من أعباء عملية الإصلاح الاقتصادى، بعد التحسن المطرد فى قطاع السياحة، وبدء تلقى عوائد الاكتشافات الكبرى للغاز، والتخفف من فاتورة الدعم، وهو ما يلقى عليها مسئولة أكبر بالتوسع فى برامج الحماية الاجتماعية التى بات ابناء الطبقة الوسطى فى احتياج لها مع الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل سواء بسواء.
فى تقديرى تحمل الناس أكثر مما يجب من موجات غلاء متتالية، وحان الوقت ليجد غالبية الشعب المصرى ممن يعانون فى صمت، أو صرخوا فى بعض الفترات، من يفتح أمامه أبواب الأمل فى قرب انفراجة تزيح عن كاهلهم الأعباء الثقال فى تدبير لقمة عيش كريمة، وهو المطلوب من حكومة الدكتور مدبولى التى يجب عليها اقتحام عدد من الملفات بشكل أكثر جرأة.
وأخيرا نقول إن الدور المنتظر للحكومة فى مكافحة الفساد، واستمرار ملاحقة الإرهاب لا بد وأن يكتمل بفتح النوافذ والأبواب أمام العمل السياسى لكل القوى والتيارات المعارضة التى لم تسهم فى الفساد أو الإرهاب، وإطلاق سراح المحبوسين من أصحاب الرأى المغاير ممن لم تلوث أيديهم بالدماء يوما، ومنح الإعلام بالعموم، والصحافة بالأخص، أفقا أوسع للتعبير عما يشغل الناس، وبهذه الثلاثية يمكن أن يضمن الدكتور مدبولى ورفاقه الوزراء أجواء أرحب من الدعم والتأييد.