ما لنا وما علينا في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ
ماجدة شاهين
آخر تحديث:
الجمعة 23 ديسمبر 2022 - 8:40 م
بتوقيت القاهرة
تسابقت المقالات فى صحفنا ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى فى الإشادة بنجاح قمة المناخ فى شرم الشيخ. وإن كنا لا نقلل من شأن هذا الإنجاز ونقدر تضافر الجهود لإنجاحه، فهناك العديد من التساؤلات التى يجب طرحها ومسائل معلقة يقع على عاتق مصر ــ بصفتها رئيسة المؤتمر إلى أن تتولى دولة الإمارات رئاسة قمة المناخ فى عام 2023 ــ أن تأخذ (أى مصر وغيرها من الدول) القضايا المثارة بجدية من أجل ضمان استمرار النجاح والتغلب على قضية الاحتباس الحرارى التى تلحق ضررا جسيما بكوكبنا يوما بعد يوم وتعيث فى الأرض فسادا وتعصف بدولنا، كبيرها وصغيرها وسواء كانوا من بين الأغنياء أو الفقراء. وتتفاجأ الشعوب بالكوارث الطبيعية مثل الفيضانات الغزيرة والاحتباس الحرارى والتصحر وارتفاع مستوى سطح البحر وتآكل السواحل وحرائق الغابات المستمرة، مما يؤدى إلى نزوح الملايين وقتل الآلاف وتكبد الدول وشعوبها خسائر مالية ضخمة.
فقد تعثرت المفاوضات لسنوات طويلة فى الاتفاق على من يدفع ثمن عواقب تغير المناخ. ولطالما سعت الدول النامية تحميل الدول المتقدمة، التى تسببت فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى إلى تعويضها عن الخسائر والأضرار. ولطالما عارضت الولايات المتحدة والدول الغنية الأخرى تحمل الأعباء المالية للخسائر الناجمة عن تغير المناخ. فعلى الرغم من نجاح القمة فى إنشاء صندوق لتعويض الدول النامية لما تتكبد من خسائر وأضرار، فإن هذا الصندوق جاءت معالمه مبهمة وخاليا من أى موارد مالية ريثما تتفق الدول فى المستقبل على حجم التمويل وتحديد الدول المانحة المشاركة.
• • •
نحن نواجه هنا المعضلة الأولى. فعلى الرغم من دفع الدول الأوروبية والولايات المتحدة لقبول إنشاء هذا الصندوق وإن جاء ذلك على مضض ــ والذى يرجع الفضل فيه إلى جهود الوفد المصرى ومساندة الدول الأفريقية والدول الجزرية ــ فإن دولا مثل الصين والهند والبرازيل وروسيا، التى أصبحت اليوم من بين أكبر الدول المسببة لانبعاثات ثانى أكسيد الكربون ــ ترفض بشكل قاطع المساهمة فى تمويل الصندوق، لما تقوم به من تصنيف نفسها ضمن الدول النامية. كما ترى هذه الدول وتنضم إليها روسيا أن التغير المناخى ناجم عن الثورة الصناعية والتى لم تشارك فيها، وعلى الدول المتقدمة اليوم أن تتحمل العبء الكامل لها.
وتأتى المعضلة الثانية فى فشل الدول المتقدمة فى الوفاء بتعهداتها بالنسبة للمائة بليون دولار سنويا إلى الدول النامية بحلول عام 2020 لمساعدتها فى التغلب على مشكلات تغير المناخ، وطالب سكرتير عام الأمم المتحدة بمضاعفة هذا المبلغ إلى مائتى بليون دولار سنويا، وإن لم يصغ إليه أحد ولم يرد ذكر هذا الرقم فى البيان النهائى للمؤتمر. وحيث إن COP27 وكذا القمم السابقة لها لم يترتب عليها أى عواقب أو محاسبة للدول التى لا تفى بالتزاماتها، فإن هذه المبالغ مستحقة وفقًا لتقدير الدول المانحة الغنية لتحديد توقيتها وشروط الدفع وفقا لوجهة نظرها، وذلك على الرغم من تحديد رئيس المؤتمر على أن يكون عام 2023 هو العام الذى ستفى فيه الدول المتقدمة أخيرًا بالتزاماتها. وإنه بلا شك قرار متفائل للغاية.
وتحاول الدول النامية الدفع بمبدأ المسئولية المشتركة ولكن المتباينة، الذى تم الاتفاق عليه سابقًا فى اتفاقية باريس، وهو أمر أساسى لقضية المناخ ويأتى من منطلق أن الدول النامية لا ناقة لها ولا جمل فيما يعانيه كوكبنا اليوم من ظاهرة الاحتباس الحرارى وإن كانت الأكثر تضررا من آثارها. وللأسف علينا أن نعترف اليوم بأن هذا المبدأ أصبح أكثر منه شعارا نتحلى به فى بياناتنا بعيدا كل البُعد عن التطبيق الفعلى.
أماّ المعضلة الثالثة فهى تكمن فى عدم نجاح الدول مجتمعة فى التوصل إلى توافق فيما بينها لوقف الزيادة المستمرة فى متوسط درجة الحرارة العالمية والتى تم الاتفاق عليها فى مؤتمر باريس لعام 2005 لتصل إلى 1.5 درجة مئوية فى عام 2030. ونخشى اليوم أنه إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فإن متوسط درجة الحرارة العالمية سيصل إلى 2.8 أو 3 درجات مئوية فى السنوات القليلة المقبلة. وعلى الرغم من أن تحقيق هدف الـ1.5 درجة مئوية يعد هدفا طموحا ويتطلب العمل المشترك الفورى، فإن البيان جاء خاليا من أى ضغوط على الدول للتعجيل من اتخاذ الإجراءات العاجلة لخفض الانبعاثات، تاركا ذلك لكل دولة وفقا لخططها الوطنية وتقديراتها. إن مجرد إعادة تأكيد ما سبق التعهد به تترك العالم على مسار ارتفاع فى درجة الحرارة لتقترب من 3 درجات مئوية، الأمر الذى يعتبره خبراء البيئة مدمرا لكوكبنا.
وبالنسبة للمعضلة الرابعة والتى تتمثل فى الحد من استخدامات طاقة الفحم والتخلص من الوقود الأحفورى، فإننا نشهد تراجعا واضحا من قِبَل الدول الأوروبية عن هذا الالتزام، الذى سبق أن اتخذته فى قمة الأطراف المتعاقدة السابق فى جلاسجو. وإن كان لمثل هذا الموقف ما يبرره فى أعقاب الحرب الأوكرانية ووقف إمدادات النفط الروسى، فإن توليد الكهرباء من الفحم ــ وفقًا للوكالة الدولية للطاقة ــ يتزايد ولا يتراجع تدريجيا وفقا لالتزامات الدول، حيث تقوم تلك الدول التى تعهدت بانبعاثات صافية صفرية باستهلاك أكثر من 95 فى المائة من استخدامات الفحم العالمى ويتطلب تلبية الأهداف المناخية العالمية تخفيضات سريعة فى انبعاثات الفحم.
أما المعضلة الخامسة وهى تبلغ قمة التمييز ضد الدول النامية، وهو ما سبق أن أثرتُه فى مقالى فى 10 نوفمبر، فهى أنه بينما تمنح الدول الغنية نفسها الحق فى التراجع عن التزاماتها المالية والتزاماتها بتقليص استخدامات الفحم، التى هى الأكثر تلويثا والسبب الأول فى ارتفاع الاحتباس الحرارى، فإن هذه الدول تسعى إلى تحميل الدول النامية مزيدا من الأعباء لمكافحة تغير المناخ، لا سيما فيما يتعلق بفرض رسوم حدودية متزايدة على تجارة الدول النامية التى تحتوى على انبعاثات ثانى أكسيد الكربون والمعروفة باسم الآليات الحدودية التى أصبحت الدول المتقدمة تلجأ إليها للحد من انبعاثات الكربون. وما يزيد الوضع سوءًا ويجعله غير مقبول هو أنه لا يوجد منتدى لمناقشة هذه الآلية ومعرفة أفضل السبل لتحقيق المنفعة المتبادلة من جرائها، بحيث لا تضار تجارة الدول النامية بإجراءات منفردة من جانب الدول المتقدمة.
وانتهى البيان بلغة مطاطة تدعو جميع الدول إلى زيادة استخداماتها للطاقة الجديدة والمتجددة، وهى طاقات منخفضة الانبعاثات. وإن كانت وكالة الطاقة الدولية قد حذرت من أنه للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية، فإنه يتعين وقف تطوير حقول النفط الجديدة ووقف تماما إنشاء محطات طاقة جديدة تعمل بالفحم. فمن أجل تحقيق الهدف الذى نطمح إليه جميعًا والحفاظ على كوكبنا وتجنب الكوارث الطبيعية المتتالية نتيجة الاحتباس الحرارى، يجب التوقف عن ترديد الوعود والسعى الجاد لتفعيل تعهداتنا والتزاماتنا، لأن الخسائر والأضرار ستلحق بنا جميعا.
• • •
واتجهت مصر إلى التأكيد على أن قمة شرم الشيخ تكون مخصصة للتنفيذ والتكيف، وإذا نجحت مصر فى ذلك إلى حد بعيد، فإننا نأمل أن تسعى القمة المقبلة فى دبى إلى إعادة الإصرار على ديناميكية التنفيذ. فلم تثبت القمم السابقة أن المزيد من الوعود تعنى إحراز تقدم بشأن تغير المناخ إذا لم تقترن هذه الوعود بالتنفيذ. ويمكننا الجزم حاليا إن فوز العالم النامى أخيرًا بمعركته فى التعويض عن الخسائر والأضرار يمثل اعترافا صريحا من قِبَل الدول المتقدمة بأن الضرر المناخى حقيقة ومكلف. بيد أنه مع الوتيرة المتعثرة والجهود المجزأة لمعالجة تغير المناخ بل والتراجع فى الالتزامات، فإننا نشهد مزيدا من ارتفاع الاحتباس الحرارى والذى قد لا يعوضه مستقبلا أى مبلغ من المال.