الثقافة.. ومؤشر طاقة الأمم

قضايا ثقافية
قضايا ثقافية

آخر تحديث: الإثنين 23 ديسمبر 2024 - 6:50 م بتوقيت القاهرة

 نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالًا للكاتب عبداللطيف الزبيدى، قال فيه إن الثقافة العربية منعزلة عن التجاوب والتفاعل مع الواقع العربى الأليم اليوم، وأضاف أنه عندما تكون الدولة قوية، تكون بالتبعية الثقافة قوية وتستفز طاقة الشعب للانطلاق.. نعرض من المقال ما يلى:

 ما الذى يكون قد حدث حتى تفقد الفنون، بالجملة أو بالمفرق، أدوارها؟ هذا أيسر وأحوط من قولك: ما الآليات التى تجعلها عزلاء، وتجردها من الفعل، ففى هذه الحالة نقضى بأن الآليات لا تتسنى بغير فعل فاعل. هذا يتطلب البحث والتنقيب عن الفاعل ونائب الفاعل، والظروف التى مهّدت الجوّ للمفعولية.

قد يكون قاسيا، الحديث عن أن الأمة كانت فى الكثير من محن القرن العشرين، حيّة الضمير، متوهجة الإحساس بالمسئولية، سريعة رد الفعل والاستجابة للتحدى، متضامنة متعاضدة متكاتفة، وكانت الفنون متجاوبة مترافدة مترادفة.  يقينًا، الأمر بديهى، لأننا لا نستطيع تصور حركة شاملة على الخريطة، تكون مكونات الثقافة هى الغائبة المنعزلة التى عزلوها، المنبتة عن السرب.  بالمناسبة: هيربرت فون كارايان، القائد الشهير لأوركسترا فيلهارمونيك برلين، له مقولة أعجوبة. سئل: ما الذى تفعله عند قيادة الفرقة؟ قال: « لا شىء، أنا فى الأوركسترا مثل ذلك الطائر الذى يقود سربًا عظيمًا، يميل بجناحه، فيميل السرب كله معه حيث يميل». الثقافة الحيوية الرائدة بمكوناتها فى أمتها، هكذا تتجلى. يقول القلم: «إن حركة الثقافة، تشبه أمواج البحر. هى ليست كل البحر، لكنها نبضه. إنها نبض الحركة ونبض السكون. هى بيان البحر فى شتى لغات تعبيره، مائجًا هائجًا، حالمًا ساهمًا».

لا تقل شيئا، لا داعى إلى الكمد والنكد. أراك تتمتم وتهمهم، يريد لسانك أن يعجل بأن الأمة العربية اليوم، ومنذ مطلع القرن الحالى، وحتى قبل ذلك، لا تنطبق عليها الصورة التى رسمها فون كارايان، ولا مشهد طيف ألوان انفعالات الموج، ولا حتى رومانسية الأمواج فى «شمس الأصيل»: «والموجة تجرى ورا الموجة.. عايزة تطولها.. تضمّها وتشتكى حالها.. من بعد ما طال السفر». ذلك كان لما كانت لشعوب الخريطة أيام وأحلام. أحد الساخرين ادعى، والعهدة عليه، أن المنظمة العربية الأم، تمثلت بقول أبى الطيب: «وشكيتى فقد السقام لأنه.. قد كان لما كان لى أعضاء». هذا محض افتراء، فالأعضاء فى مواقعهم كالجبال الراسيات. بتعبير امرئ القيس: «وإنى مقيم ما أقام عسيب».

ذلك الاستدلال كالنهار لا يحتاج إلى دليل. حين يخمد فؤاد البحر، تخمل جذوة عنفوان الموج. عندما كانت الأمة متوثبة متأهبة، كانت الثقافة ومكوناتها متوقدة متجددة. اليوم، «تمشى الهوينى كما يمشى الوجى الوحل»، وما دام بحر الأمة يسوده السكون والركون، فما الذى يستفز أمواج الثقافة حتى تتلاطم؟

لزوم ما يلزم: عندما ترى الثقافة فى آخر صفوف الحضور فاعلم أن مؤشر طاقة الأمة صار أحمر. إعادة الشحن، لا تعنى المشاحنات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved