تونس: الأحزاب الكبرى تسطو على أى حراك شبابى
صحافة عربية
آخر تحديث:
السبت 24 يناير 2015 - 8:10 ص
بتوقيت القاهرة
بعد مرور أربع سنوات على ثورة الحرية والكرامة التى قادها الشبان التونسيون، تحتل الأحزاب الكبرى بقيادة رموز النظام السابق أو رموز المعارضة التى عاصرت نظامى بورقيبة وبن على الواجهة السياسية، فى حين خفتت أصوات الشبان والشابات بعد أن بحت من الصراخ أو يئست من الإصلاح أو أخرست باستخدام التهديدات الأمنية أو الإغراءات المادية.
حملت الثورة معها رياح الحرية والتغيير لشباب تونس، فبعد أن منعوا فى فترة ما قبل الثورة من أى نشاط سياسى أو أهلى، أفسحت التغييرات الكبرى التى عرفتها البلاد المجال للجميع للإقبال على الحياة السياسية والمدنية بلا معوقات أو تهديدات. وراح شبان كثيرون يطلقون حملات وينشئون جمعيات تعنى بالدفاع عن الحقوق والحريات كما وإنشاء أحزاب سياسية بهدف المنافسة واكتساب الخبرات. غير أن الحماسة لم تلبث أن خفتت، فالشاب التونسى الذى ثار من أجل تحسين وضعه الاقتصادى بقى رهين المعاناة اليومية من أجل كسب لقمة العيش. فبين الدراسة والعمل من أجل إعالة الأسرة تحول العمل التطوعى والسياسى إلى رفاه تمتع به عدد من المدونين المعروفين والذين وجدوا الدعم المادى من مؤسسات عالمية منها الاتحاد الأوروبى والسفارة الأمريكية وغيرهما من الجهات التى تقدم دعمها المشروط لأشخاص بعينهم ولأسباب ترتبط غالبا باستقطاب فئة من الشباب الثائرين وتأطيرهم بحسب ما يتلاءم مع مصالحها.
وإضافة إلى تقصير الدولة فى دعم الجمعيات الشبابية ماليا وغياب التأطير نهائيا عن هذا المجال، فإن الأحزاب السياسية الكبرى بمختلف توجهاتها عملت طيلة السنوات الأربع الماضية على استنزاف الطاقات الشابة لمصلحتها وتحويل العمل الشبابى المدنى أو الطوعى إلى ورش لتدريب هؤلاء على طرق دعم أحزابهم وحضهم على مساندتها انتخابيا. ويترافق ذلك مع وعود زائفة للقائمين على هذه الجمعيات بتوفير الدعم المالى لهم وإدماجهم فى هذه الأحزاب كمسيرين أو كوادر عليا فى الوزارات وغيرها من الوعود التى طالما التف حولها خبراء اقتناص الفرص ممن عاصروا عديد الأنظمة من داخلها لها أو كمعارضين وهميين.
ونظرا إلى ما يتحلى به الشبان فى تونس من حماسة عالية وانتصار للحق وللقضايا العادلة، عملت الأحزاب السياسية على استعمالهم وسيلة ضغط سياسية من خلال دفعهم للتظاهر ضد هذا الطرف أو ذاك بدعوى ضرورة تجند الشباب للدفاع عن الحرية أو المرأة أو الدين. واعتمدت هذه الأحزاب فى مناسبات عديدة الجمعيات الشبابية التى تحظى ببعض الشهرة لتجييش المناصرين على مواقع التواصل الاجتماعى وحضهم على التظاهر تحت مسميات مختلفة لعل من أهمها «ضرورة حماية مكتسبات الثورة» بالنسبة إلى الأحزاب اليسارية، أو» التصدى للثورة المضادة التى يقودها الأزلام» بالنسبة إلى حركة النهضة والأحزاب الموالية لها.
وخلال حكم الترويكا كان الخلاف بين الأحزاب الحاكمة والاتحاد العام التونسى للشغل، وهو مؤسسة نقابية، على أشده. وقد عجزت حركة النهضة وشريكاها فى الحكم عن السيطرة على هذه المؤسسة التى فرضت نفسها شريكا فى الحوار وقيدت المسار السياسى بشروطها التى وصفتها حركة النهضة بـ«المجحفة». وكان لا بد من إسكات أصوات النقابيين، فما كان من «منظمة حماية الثورة»، وهى تجمع يقوده شبان عرفوا بولائهم لحركة النهضة، إلا التحول إلى مقر الاتحاد العام التونسى للشغل بأعداد غفيرة والاعتداء بالعنف الشديد على قيادييه وأعضائه ما أدى إلى حل هذ المنظمة قضائيا.
من جهة أخرى وأثناء قيام جمعيات شبابية مغمورة بالإعداد لما سمته «حركة تمرد» إثر اغتيال الشهيد محمد البراهمى، عمل حزب «نداء تونس» على اختراق هذا التحرك الشبابى ليتبوأ قياديو الحزب الصفوف الأولى فى اعتصام باردو الذى نتج من «حركة تمرد»، وتحول حزب النداء إلى محرك أساسى للاعتصام وطرف أساسى فى المشاورات التى قامت حول مواصلته أو إنهائه. وقام زعماء حزب «نداء تونس» آنذاك بقيادة التحركات وإلقاء الخطابات الشعبية المنادية بضرورة إسقاط حكومة حركة النهضة فى حين انزوى منظمو الحملة الحقيقيون بعيدا واكتفوا بدور المشاهد عاجزين عن مجاراة التطورات التى لم تشملهم ولم يتم إشراكهم فى نتائجها وانتهت بوصول حزب نداء تونس للحكم.
ويرى الصحافى الشاب وأحد قياديى منظمة «حركة شباب تونس» سميح الباجى عكاز «أن السبب وراء اكتفاء شبان تونسيين بالعمل فى الجمعيات غير المنتظمة ورفضهم الانخراط فى العمل السياسى هو القطيعة التى أحدثها جشع السياسيين للوصول إلى السلطة بشتى الطرق مقابل رغبة الشباب الجادة فى الإصلاح وفى العمل بنزاهة». وأضاف لـ«الحياة»: «بين طريق التحزب السهلة والمليئة بالورود وبين العمل الميدانى الذى لا طائل منه سوى اكتساب تجربة تؤهل الشبان للدخول لمعترك الحياة السياسية بوعى ونضج اخترنا الطريق الأصعب. فالعمل السياسى الشبابى مؤجل إلى حين، ريثما تكتفى الأيدى الوسخة من نهب ما أمكنها من ثروات البلاد وتشبع جشعها للسلطة».
خولة العشى - الحياة ــ لندن