خواطر حول ثورة يناير والدروس المستفادة
سيد قاسم المصري
آخر تحديث:
الخميس 24 يناير 2019 - 10:00 م
بتوقيت القاهرة
هل كان يتعين على ثوار يناير الدخول فى تفاوض جاد مع نظام حسنى مبارك للتوصل إلى ترتيبات تضمن الانتقال التدريجى المنظم للسلطة على مدى فترة زمنية معقولة بدلا من الإصرار على شعار «ارحل.. ارحل» دون أن يكون هناك خطة بديلة واقعية لما بعد «ارحل».
كثيرا ما يراودنى هذا التساؤل.. ألم يكن من الأفضل اللجوء إلى التغيير التدريجى Evolutionary... ألم يكن من الأفضل التوقف عند نقطة معينة.. نقطة ما قبل انهيار النظام والدخول فى مفاوضات مع النظام المحتضر للتوصل إلى خريطة طريق تحقق الكثير من أهداف الثورة وتحافظ فى نفس الوقت على سلطة الدولة وهيبتها وتماسك كيان مؤسساتها.. ألم يكن ذلك أكثر ملاءمة للكيان المصرى الهش والنسيج الاجتماعى بتناقضاته الحادة..
أنا الآن لا أتردد فى الإجابة عن كل هذه التساؤلات بالإيجاب خاصة أن نطام مبارك كان قد أصابه الوهن بعد الضربات التى تلقاها والزخم العالمى والصدى الإعلامى الذى أكسب الثورة تأييدا وتعاطفا كبيرا لدى شعوب العالم، الأمر الذى شكل ضغوطا على حكوماتها لتأييد الثورة وساهم فى المزيد من إضعاف النظام.
فى ظل كل هذه المعطيات كان بالإمكان الحصول من نظام مبارك على تنازلات كبيرة تضيف إلى ما كان قد قَبِل به من تعديل الدستور عام 1971 وإزالة ما اصطُلِحَ على تسميتها بمواد التوريث وبعد استقالة معظم رموز العهد ورجال مبارك المقربين وبعد تعهده بعدم الترشح ــ لا هو ولا ابنه ــ بعد اكتمال مدته فى نوفمبر 2011.
الإخوان المسلمون
ألم يكن من الأجدر الحذر والتحسب فى علاقة الثوار بالإخوان... لقد كان دافع الثوار فى إشراك الإخوان معهم هو الالتزام بمبدأ عدم إقصاء أى مكون من مكونات المجتمع.. كان معظم الثوار من السذاجة والنقاء والخبرة الصغيرة فى دهاليز العمل السياسى بحيث وقعوا فريسة سهلة تم التهامها بسهولة.
العنف فى سيناء
كثيرون يعتقدون أن هناك ارتباطا بين ثورة يناير والاضطرابات التى أحدثتها وبين التدهور الأمنى فى سيناء... وآخرون يربطون بين إزاحة الإخوان من الحكم وفض اعتصام ميدانى رابعة والنهضة وبين العنف فى سيناء...
والحقيقة أن العنف فى سيناء غير مرتبط بكل هذا.. بل له جذور تمتد إلى عشرات السنين وله منطلقات وأهداف مختلفة.. فالعنف فى سيناء نجم أساسا من تمركز الجماعات السلفية الجهادية فى شمال سيناء ونجاحها فى توطيد أقدامها على مر السنين بسبب الترتيبات الأمنية لمعاهدة السلام التى أنشأت منطقة منزوعة السلاح على الحدود مع إسرائيل هى المنطقة «ج» التى ظلت لعقود طويلة منذ دخول المعاهدة حيز التنفيذ لا يسمح بالتواجد فيها إلا إلى قوة شرطية لا تزيد على 750 جنديا مسلحين بأسلحة خفيفة وعليهم حراسة منطقة شاسعة يبلغ ضلعها البرى نحو 250 كيلومترا وضلعها البحرى يمتد من رفح إلى العريش ولا تراقبه إلا زوارق بحرية قليلة مسلحة بأسلحة خفيفة.
أتاح هذا الوضع فرصة ذهبية للإرهاب العالمى للتسلل لسيناء وإنشاء مواضع أقدام راسخة، والغريب أن المعاهدة تتيح مراجعة الترتيبات الأمنية الواردة فى الملحق العسكرى كلما طلب أحد الطرفين ذلك.
وكان يمكننا الاستفادة من هذا النص لطلب المراجعة إلا أننا لسبب غير مفهوم لم نطلب ذلك ولو مرة واحدة منذ دخول المعاهدة حيز التنفيذ.
صحيح أن الوضع تدهور بعد ثورة يناير وأدى انهيار السلطة فى القاهرة إلى المزيد من تسلل العناصر الإرهابية والمزيد من تهريب الأسلحة إلى سيناء ومنها إلى داخل أراضى الجمهورية.. ولكنها كانت تتسلل منذ عقود كما أشرنا آنفا..
وهذه الجماعات التى رسخت جذورها فى سيناء عبر السنين لم تكن تنتمى إلى الإخوان وما كان للإخوان سيطرة عليهم، إنما كان الإخوان حريصون على استرضائهم لأغراض سياسية بل واعتبارهم العمق الاستراتيجى لهم.
حتى إنه عندما قام الإرهابيون باختطاف سبعة جنود فى سيناء.. كانت تعليمات مرسى لمحافظ سيناء بعدم اتخاذ أى إجراء سوى التفاوض وقد أفرج عنهم مقابل الإفراج عن أعداد كبيرة من السلفيين.
أفول الديمقراطية وبزوغ نجم اليمين الشعبوى
قد يبدو هذا الجانب بعيد الصلة المباشرة عن نتائج ثورة يناير.. إلا أن هناك صلة ما بين الثغرات التى خلفتها ثورات الربيع العربى والتى أتاحت الفرصة للإرهاب العالمى للولوج منها فضلا عن الغزو الأمريكى للعراق والتدخل السافر والخفى للقوى الأجنبية والإقليمية وظهور تنظيم داعش الإرهابى وإقامة دولته فى أجزاء من العراق وسوريا واستباحة الأراضى العربية لكل ذى مطمع، فضلا عن استفحال ظاهرة الهجرة غير الشرعية للفارين من جحيم الشرق الأوسط ومن الفقر فى أفريقيا..
كل ذلك أدى إلى إعادة النظر فى المثل والمبادئ التى كان يحلم بها الحالمون ويعمل من أجلها الناشطون..
لقد تراجعت مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان عشرات السنين إلى الوراء بل وفقدت الكثير من المؤمنين بها وزحف اليمين المتطرف إلى برلمانات الديمقراطيات الغربية وباتت المظاهرات العنصرية تجوب شوارع أوروبا علنا وعادت النازية تطل برأسها من جديد.
حقا إن التاريخ لم ينته بعد «وَأَنَّا لاَ نَدْرِى أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِى الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدا».
مساعد وزير الخارجية الأسبق