قمة الموتى
مواقع عربية
آخر تحديث:
الخميس 24 يناير 2019 - 12:00 ص
بتوقيت القاهرة
نشر موقع على الطريق مقالا للكاتب «نصرى الصايغ» عن القمة العربية الأخيرة فى بيروت وجاء فيه:
كانت القمة بحاجة إلى «فاعل خير». إلى من يعتلى المنصة ويتجرأ على بدء الحفل الجنائزى طبعا، المناسبة لا تستحق الرثاء. لا شىء نفقده فيها: لا روح، لا حياة، لا شىء فقط. لا. دفن الجامعة ليس خسارة، وبقاؤها فادح.. لا تستحق خبرا عاديا فى صحيفة رثة، وإن تجرأ أحد على الصدق يختصرها يقول: كانت كأنها لم تكن.
«القمة» الأخيرة فى بيروت، كانت عقوبة للبنان. بدأ الكلام اللبنانى العادى، «فائق الأهمية»، «عروبيا» خجولا، أمام «أعراب» الخراب. بدأ الفراغ يملأ القاعة، فيما الكلمات هواء بحروف معروفة النهايات. تتحسر على ما فات قليلا. يومها، كان للهزائم وقع المفاجأة. هزائم اليوم المتمادية، نشيد سياسى تتناوب عليه إيقاعات الشماتة: كل عربى تبرع بهزيمة عربى آخر. توحد العرب فى القتل والإبادة والوأد. لم يتبقَ كيان عاقل. احتفال جنونى فى الإخلاص للقتل، بكل أشكاله.
«القمة» الأخيرة، هى آخر مطاف الاختلال العربى. هم فى الأصل، كانوا دولا بقياس عشائر وقبائل وأقوام، كان يلزم أن تكون بائدة. لا. منحت زمام القيادة. الجزيرة العربية حرم أمريكي ــ غربى. سوريا الطبيعية، مسرح لصراع الإخوة الأعداء، ثم ملعب لإسلام الدماء، وفرجة لدول تتحالف على تكويم الجثث ورعاية الإبادة.. بلاد مقفلة من كل الجهات، باستثناء المعابر العلنية إلى تل أبيب.
تاريخها، على فخامة مظهره، «فياسكو». قادة متربصون بقادة. دول ذات وزن تاريخى فى مواجهة ممالك وإمارات ذات دعم دولى، لولاه، لتواضعت وتآخت مع شقيقاتها الجمهورية. كانت الجامعة حاوية لدول قومية ملتزمة ودول قومية تتنازع فيما بينها، فيما الممالك تنصب الشباك المالية، ليقع المحتاج فى فخ المتخم.
حضرت الجامعة العربية خسائر العرب جميعا. حضرت النكبة، ثم النكسة، ثم الحروب الداخلية، ثم كل الحروب، ثم أم الحروب الراهنة. وعوض أن تكون حكما، كانت واجهة لجبهات القتال. قتلى هذه الجامعة العربية، بعدد الملايين. وغريب، أن هذه الجامعة، لا تزال تجرجر أذيال الحروب والخيبات حتى ما بعد الآن.
ثم، أى جامعة هذه؟ نصفها مع «صفقة العصر». إسرائيل، لدى بعضها، أقرب من «الأشقاء» العرب. ما همها فلسطين. القدس لا تعنيها. المقاومة، تلعن الجامعة سلاحها وتسميه إرهابا، هذه الجامعة، تستحق الطرد. فهى ليست عربية، إلا لأن بريطانيا العظمى سمَّتها كذلك.
مخجل المشهد فى بيروت. رؤساء يعتكفون. حسنًا فعلوا. عاقبوا لبنان المقاوم. صدقوا إذ غابوا. لم تنفع زيارة أمير قطر. قفز من بلده. وصل لدقائق معدودة. مسرحية تافهة ومهينة للبنان واللبنانيين. حركة كراكوزية فاشلة ومعيبة. أفضل منه من غاب، وكان غيابه مشرِفا للبنان.
هل يصدق أحد أن هذه القرارات والاقتراحات تستحق حبرها؟ الجامعة، قلما وفت بوعودها. لا تنمية، لا تعاون، لا سوق مشتركة، لا ما يجمع بينهم أبدا. أنظمة تؤدى فروض الطاعة لدول الحماية، وتقوم بتطويع شعوبها بالقوة والغصب والترهيب والتعذيب.
أى جامعة هذه الجامعة؟
يليق بها أن تموت، وتدفن بجنازة سرية. وبلا مراسم عزاء.