نحو تنظيم إطار عمل الطب الإلكتروني في مصر
محمد القرماني
آخر تحديث:
الأحد 24 يناير 2021 - 9:25 م
بتوقيت القاهرة
شهدت السنوات القليلة الماضية انتشار شركات الخدمات الطبية الإلكترونية telemedicine كأحد الصناعات الحديثة التى تقدم خدمات طبية وصحية متنوعة عبر الفضاء الإلكترونى حيث ساهمت الطفرة الهائلة فى مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وارتفاع عدد مستخدمى الإنترنت حول العالم فى نمو حجم عملاء وأرباح تلك الشركات حديثة النشأة. جاءت جائحة كورونا لتزيد الإقبال على تلك الخدمات فى ضوء ما فرضته حكومات غالبية دول العالم من إجراءات الغلق الاقتصادى وحظر التجوال، وفى إطار سعيها لتحفيز المواطنين على استخدام الخدمات الإلكترونية للحد من التكدس والازدحام داخل مختلف المرافق، فضلا عن الضغط الكبير على منشآت الخدمات الصحية التقليدية مثل المستشفيات والعيادات ومعامل التحاليل وغيرها والتى جعلت من المنصات الطبية الإلكترونية بديلا جذابا لمختلف أطراف المنظومة الصحية.
لم تكن مصر بعيدة عن هذه الصناعة الجديدة حيث ظهرت العديد من المنصات الإلكترونية التى تقدم خدمات صحية متنوعة (مثل البحث عن الأطباء، الحجز فى العيادات، التشخيص والمتابعة، توفير الخدمات المنزلية، علاج ومتابعة الحالات المزمنة، تقديم الاستشارات الطبية) وزاد الطلب عليها بصورة واضحة بما ينبئ بنمو حجم هذه الصناعة وعدد مستخدميها والعاملين بها خلال السنوات القليلة المقبلة بالنظر لما تشهده مصر حاليا من طفرة واضحة فى مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأيضا سعى الحكومة نحو تطوير المنظومة الصحية.
غير أن أحد العوامل التى قد تعيق نمو هذا القطاع هو غياب إطار تشريعى وتنظيمى واضح ومتكامل يضمن حماية الأطراف المعنية (سواء العملاء أو الأطباء أو أصحاب رءوس الأموال والدولة والمجتمع ككل). ومن ثم فإن البدء السريع فى صياغة قانون لتنظيم عمل منصات الخدمات الطبية الإلكترونية لابد أن يكون أحد الأولويات التشريعية بالنسبة لمجلس النواب فى دورته البرلمانية الجديدة. ومن المهم فى هذا الصدد أن يخضع القانون الجديد لمشاورات مكثفة مع أصحاب الشأن لضمان خروجه بصورة تساهم فى النهوض بالمنظومة الصحية فى مصر وتحقيق مصالح الأطراف المختلفة من حيث خلق بيئة مواتية ومحفزة للاستثمار فى هذا المجال وضمان حماية المنافسة وبالطبع تحقيق مصلحة المواطن فى الحصول على خدمات صحية أفضل وحماية متلقى الخدمة من الممارسات غير القانونية أو اللاأخلاقية.
ومن واقع تجارب الدول التى سبقتنا فى تقنين عمل تلك المنصات نرى أن هناك بعض المحاور الرئيسية الواجب التركيز عليها فى صياغة الإطار التشريعى والتنظيمى لعمل مواقع الطب الإلكترونى ومن أبرزها ما يلى:
١ــ اعتماد معايير ميسرة وفعالة لتأسيس وترخيص المنصات الطبية الإلكترونية بما يضمن خضوعها لمختلف القوانين المطبقة فى مصر وترسيخ مبادئ المنافسة الشريفة على أسس متكافئة خاصة وأن هناك عددا مهولا من هذه المنصات حول العالم وتقدم خدمات عابرة للحدود الوطنية.
٢ــ تحديد نوعية الخدمات الطبية والصحية المسموح بتقديمها عبر المنصات الإلكترونية بما يتناسب مع طبيعة الفضاء الإلكترونى وتنظيم العلاقة بين تلك المنصات مع غيرها من المنشآت الطبية.
٣ــ ضمان سرية بيانات ومعلومات المرضى وعدم استخدامها فى أية أغراض بحثية أو غيرها أو تداولها مع جهات أخرى دون الحصول على موافقة صريحة من المريض وكذلك إلزام الشركات باستخدام تطبيقات متطورة وآمنة لتفادى القرصنة الإلكترونية، مع خضوع تلك المنصات لقانون حماية البيانات الصادر العام الماضى.
٤ــ خضوع تلك المنصات والعاملين بها من أطباء أو ممرضين لمواثيق الشرف العلمية والمهنية وتفعيل الإشراف والرقابة الحكومية على عملها بحيث يكون العاملين بها خاضعين للقوانين واللوائح المنظمة لممارسة الطب والتمريض فى مصر وخاصة فى حالة المنصات التى تعمل من خارج مصر، وهو ما يعزز ثقة المواطن فى جودة الخدمة وكفاءة ومؤهلات مقدميها.
٥ــ وجود آلية تتيح لمتلقى الخدمة التقدم بالشكاوى حال التعرض للخداع أو النصب أو الإهمال الطبى وهو ما يساهم فى ضمان حقوق المرضى وحمايتهم ويساعد أيضا فى الحفاظ على سمعة الشركات العاملة فى هذا المجال وضمان المنافسة النزيهة.
٦ــ تأسيس آليات واضحة للتنسيق مع مختلف شركاء المنظومة الصحية ومن بينها على سبيل المثال شركات التأمين الصحى وذلك لتغطية الخدمات الطبية المقدمة على المواقع الطبية الإلكترونية وهو ما يساهم فى زيادة الإقبال على تلك المواقع وربحيتها.
٧ــ وجود آلية للتأكد من هوية متلقى الخدمة (المرضى) عند التسجيل على الموقع وأيضا مع تلقى الخدمات وذلك لتلافى جرائم التشهير وانتحال الشخصية.
٨ــ اعتماد تسهيلات وحوافز مالية للمنصات الطبية الإلكترونية (فى صورة إعفاءات ضريبية مؤقتة على سبيل المثال) لتحفيز الاستثمار وخلق فرص عمل ودعم المنافسة فى المجال الطبى وكذا التماشى مع التوجه العالمى فى التوسع فى الخدمات الإلكترونية.
وقبل أن نختم هذا المقال أود إعادة التأكيد على أهمية هذا القطاع الواعد وقدرته على النمو بصورة كبيرة حال توافر البيئة التشريعية والتنظيمية المناسبة بما يعزز من قدرات المنظومة الصحية فى مصر والمساهمة بفعالية فى تقديم خدمة صحية أفضل للمواطنين بالإضافة إلى خلق العديد من الفرص الاستثمارية فى هذا المجال.