شعارات قديمة – جديدة.. ومستقبلية أيضا
محمد عبدالشفيع عيسى
آخر تحديث:
الجمعة 24 يناير 2025 - 9:00 م
بتوقيت القاهرة
هذه شعارات ثلاثة، تمنيت لو قمنا باستعادتها مرارًا وتكرارًا، وحفظناها (عن ظهر قلب)، ثم قمنا بتطبيق ما يترتب عليها (قلبا وقالبا).
قد استقينا هذه الشعارات من تجربة (حرب غزة) التى بدأت بعملية «السابع من أكتوبر» 2023، بمبادرة من حركة حماس، وظل يشتعل أوارها، ظالما ومظلوما، فى كل لحظة من الليل والنهار. وتجسد الظلم، كمّا وكيفا، على يد غُلاة المستعمرين (المحتلين-المستوطنين) من الكيان الصهيونى-إسرائيل.
الشعار الأول (اعرف عدوّك) يمثل ضرورة لازمة من واقع ما اكتشفنا فى سياق الحرب «الفلسطينية-اللبنانية» الأخيرة، وبطلاها المعلنان: «حركة حماس» من جهة أولى، و«حزب الله» من ناحية ثانية، ومن حولهما كوكبة زاهرة من جماعات ما أطلقنا عليه «محور المقاومة» خلال سنوات.
أول ما يصادفنا فى مجال (اعرف عدوّك) هو (نجاح) العدوّ، نسبيا، فى (حرب المعلومات)، وخاصة أمام (حزب الله)؛ بينما نجحت (حركة حماس) نجاحًا باهرًا -إن صح التعبير- فى حرب المعلومات التى سبقت خوض عملية السابع من أكتوبر، سواء من حيث القدرة على «كتمان» قدرات «حماس» الحقيقية، أو من حيث كشف العديد من قدرات العدوّ دون أن يعلم.
وقد ظهر (النجاح النسبى) للعدوّ الصهيونى فى حرب المعلومات فى غمار المواجهة مع «حزب الله»، فى نهايات العام 2024، وخاصة من خلال العمليتين المعروفتين لتفجير أجهزة (البيجر) المملوكة لدى «الحزب»، وكذا الأجهزة الالكترونية الأخرى، أولاً، ثم عملية اغتيال القادة الشهداء المبرّزين (للحزب)، ثانيا، بدءًا بالقائد ذى «القدح المعلّى» حسن نصر الله. ودع عنك أيضًا عملية اغتيال رئيس المكتب السياسى للحركة، إسماعيل هنية، فى طهران، ولا نقول (اغتيال) يحيى السنوار، القائد العلَم للحركة؛ إذ لم يتم اغتياله حقًا، ولكنه تم (العثور عليه) فى ثنايا عمل بطولى يقوم به، ومات (موتًا اختياريًا) إن صح التعبير.
وقد كان قادة «حزب الله» وفى مقدّمتهم رئيسه «نصر الله» يؤكدون على الدوام (جاهزية) محور المقاومة للمنازلة المرتقبة، فإذا (حرب المعلومات) تكشف «السبق غير المسبوق» للكيان الصهيونى فى التجهيز لحرب لاحقة مسرحها «الضاحية الجنوبية لبيروت» بالذات. ويقتضى صوت الحقيقة أن نذكر هنا أنه حينما وقعت المنازلة بعد ذلك بالفعل، حقق (حزب الله) تقدما مشهودا فى الصمود ومعاودة الهجوم على امتداد جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، أمام هجمات (قطعان الهمج الصهاينة) كما كان يسميهم من سمّاهم هكذا، قبل زمن وجيز فى حساب الزمان.
إذن فإننا لم نكن نعرف القدرات المعلوماتية والاستخبارية العالية للعدو حق المعرفة، فيبقى علينا أن نستعيد شعار (اعرف عدوّك) دون نقصان أو تلكّؤ.
• • •
أما الشعار الثانى الذى يتعين أن نستظهره استظهارًا فهو (نقد الذات)، وهو حديث ذو شجون، كما يقال. وإنه ليحق علينا أن نذكر هنا أن الأطراف العربية فى المعركة على المسرح الفلسطينى- اللبنانى بالذات، والمسرح العربى وجواره المقاوم، عليها، من أوجب الواجبات، أن تنقذ أنفسها (نقدًا مرّا)، إن صحت العبارة.
ألا يستوجب الأمر أن تقوم (حركة حماس) بنقد ذاتها، فى عملية السابع من أكتوبر المشهودة، إذ إنها مع نجاحها المبهر فى مفاجأة العدو،ّ كما تبين من سياق المنازلة، فإنها لم تقدّر قوة العدو كما ينبغى لها، وخاصة من حيث امتدادات العلاقة الإسرائيلية بالولايات المتحدة الأمريكية، تمويلاً وتسليحًا ودعاية. فقد ظهر أن «حركة حماس» ربما استهانت، ولو جزئيا، باحتياطى القوة لدى العدوّ الإسرائيلى، وربما هوّنت، ولو جزئيا أيضا، من حجم وعمق التحدّى المفروض تاريخيًا، بفعل ما فرضه الوجود الصهيونى على الأمة العربية من تحديات جسام. وربما تصور بعض قادة (الحركة) أن عملية السابع من أكتوبر سوف تفتتح نزالاً يكون من شأنه – فى وقت قريب نسبيًا – إعمال التدمير الذاتى و«غير الذاتى» للكيان الصهيونى، وبصورة شاملة أو كليّة إلى حدّ بعيد.
لقد كانت تلك - ربما - مبالغة فى تقدير قوة الطرف الفلسطينى، وتهوينًا من قوة عدوّه المترصّد. فالمعركة ذات طابع تاريخى– مصيرى بامتياز، ولن يتم الفوز فيها، أو افتتاح الفوز، بمثل ما جرى يوم العملية الكبرى فى السابع من أكتوبر.
كذلك الحال بالنسبة لـ(حزب الله)، الذى فاجأه عدوّه المترصّد، المتربّص، بما لم يكن ينتظره، فى حرب المعلومات والتجسّس، وفى كمّ ونوع ما لدى العدوّ من معرفة بأدق دقائق ما يملكه (الحزب) من قدرات، ولو فى المبانى و«المقرّات» العتيدة، ذات الطوابق، فوق الأرض وتحت الأرض. وقد وصل ذلك لدرجة أن يعقد القادة اجتماعاتهم (السرية) فى بعض هذه الطوابق، ويتركونها صيدا سهلاً، أمام العدوّ ليفعل ما يريد، كما أراد، وفق ما عرف من معلومات غير معلومة.
لقد حقق «الحزب» إنجازًا بطوليًا بعد ذلك، فى المواجهة مع العدوّ جنوب لبنان وشمال فلسطين، ولكن ألا يستدعى الأمر نقدًا ذاتيًا حقيقيا، للسياق العام للمواجهة وما كانت تفترضه من استعدادات لم تتم، وعمليات لم تُنفذ، حتى وقعت الواقعة ...؟
كذلك، قد يكون من أوجب الواجبات أن يقوم أركان (محور المقاومة ..) بنقد للذات، وأولها إيران.. ولن نزيد..!!
• • •
نصل هنا إلى الشعار الثالث الواجب: (كُن مستعدّا).. فلعلّه بات من الواضح الآن فى سياق ما عرضناه موجزا عن (اعرف عدوّك) و(نقد الذات)، أن المعركة التاريخية مع الإيديولوجية والحركة الصهيونية، بمثابة حرب سجال. وألا يقتضى ذلك، أن يعود أركان (محور المقاومة ..) إلى ذلك الشعار الذى كان يتعلمه تلامذة المدارس العرب، فى (طابور الصباح)، وهو: (كُن مستعدًا..) ..؟!
ولكن ليس التلامذة وحدهم من يحق لهم – وعليهم – استعادة ذلكم الشعار، ولكن كل مجتمع «المقاومة» فى مواجهة الإيديولوجية والحركة الصهيونية، بمطامعها الاستعمارية-الاستيطانية، فى فلسطين كلها وما هو حولها، عليه مثل ذلك.
فهل يستعيد المعنيون هذا الشعار، ويطبقونه تطبيقًا..؟
هذا ما يبدو أوجب الواجبات فى ذلكم الظرف الخطير..!