التعليم الجامعي بين الحصول على الشهادات والحصول على التعليم الحقيقي

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: الجمعة 24 يناير 2025 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

 دائمًا ما يكون التعليم سواء المدرسى أو الجامعى مادة للشد والجذب فى جميع وسائلنا الإعلامية، البعض يتحسر على الزمن القديم عندما كان التعليم أفضل حالاً، البعض الآخر غاضب من ارتفاع تكلفة التعليم، هناك مجموعة ثالثة تتحسر على المستوى الأخلاقى… إلخ. السواد الأعظم رأيه سلبى فى العملية التعليمية. فى هذا سنتحدث عن التعليم بنظرة محايدة، سنطرح أسئلة أكثر مما سنعطى إجابات، لكن طرح الأسئلة الصحيحة هو بداية الطريق الصحيح لتطوير أو تحسين أو بناء أى شىء. سنركز على التعليم الجامعى؛ لأن هذا ما أفنى كاتب هذه السطور عمره فيه، قد يكون ما سنتحدث عنه يصدق أيضًا فى التعليم المدرسى لكن سأترك أمر التعليم المدرسى لأهله.

هناك اتجاه بدأت تظهر بوادره مفاده أن الشركات الكبرى تريد فقط مهارات معينة وأن الشهادة الجامعية بدأت تفقد قيمتها. هذه المقولة غير صحيحة؛ لأن فترة الجامعة هى تجربة ثقافية متكاملة وأيضًا ما يتعلمه الطالب فى الجامعة ينقسم إلى ثلاثة أنواع:

    •  المادة العلمية: وهى النظريات العلمية المتعلقة بالتخصص سواء العلمى والأدبى. إذا كنا نتكلم عن تخصص هندسة الحاسبات فالمادة العلمية تشمل تصميم الحاسبات وتصميم (وليس استعمال) لغات البرمجة… إلخ.

    •  المهارات: هى التى غالبًا ما يعنيها أغلب الناس فى عصرنا عندما يتكلمون عن التعليم الجامعى، المهارات مثل مهارة البرمجة تتغير مع الزمن ولغة البرمجة التى تعرفها الآن قد لا تكون مهمة فى السنين القادمة، لذلك يحتاج أى شخص إلى تطوير مهاراته خلال حياته العملية وليس فقط أثناء الجامعة، وقد تكلمنا عن معاهد التدريب فى الشركات فى مقال سابق منذ عدة أسابيع.

    •  طرق التفكير: هى من أهم أنواع التعليم لأنه تعليم سيستمر مع الطالب مدى الحياة ويشتمل على طرق التفكير النقدى وكيفية طرح الأسئلة المؤدية إلى حل المشكلات وكيفية تقسيم المشكلة إلى عناصرها… إلخ.

هذا ما يجب أن يشتمل عليه التعليم الجامعى، لكنَّ هناك عنصرًا مهمًا جدًا نحتاج إلى أن نناقشه: الطلاب أنفسهم.

•  •  •

الجيل الحالى مختلف جدًا عن الأجيال السابقة، والاختلاف لا يعنى أنه أسوأ أو أفضل لكن يعنى أننا يجب أن نضع هذا الاختلاف فى الاعتبار عندما نصوغ ونطور العملية التعليمية ككل وعند تصميم كل مادة دراسية. الاختلافات يمكن تلخيص أهمها كالآتى:

    •  هذا الجيل أصبح لا يقبل النصيحة المباشرة لأنه يعتبرها وصاية، وعندما رأى هذا الجيل الجديد بعضًا من الكبار من الأجيال السابقة وتفاعلهم على وسائل التواصل الاجتماعى بطريقة ساذجة أحيانًا أو وضع آراء غريبة فى بعض الأحيان فقد الجيل الجديد الرهبة أو الانبهار بالأجيال الأكبر سنًا. فى الماضى لم نكن نملك وسائل التواصل وبالتالى كان للكبير أو للأساتذة رهبة ونظن أن الأستاذ يعلم كل شىء ويمتلك حكمة كبيرة. طبعًا لا نريد التعميم لكن هذا ما يبدو لى، وهو فى النهاية رأى يحتمل الصواب والخطأ ويجب أن تتم مناقشته بهدوء.

    •  الجيل الحالى أصبح فى أغلبه لا يهتم باللغة العربية لكن يهتم باللغة الأجنبية فقط؛ لأنها طريقة للعمل فى الشركات الكبرى عابرة القارات. هذا موضوع كبير ومعقد. الجيل الحالى فى أغلبه أصبح يفكر بطريقة برجماتية بحتة نتيجة العولمة (أى الأمركة) أى المادة والمكانة الاجتماعية، لكن قيم مثل الانتماء والهوية أصبح معناها ملتبسا أو غامضا بالنسبة لهذا الجيل.

    •  الجيل الحالى أصبح يعتمد على البرمجيات مثل وسائل البحث أو برمجيات المحادثة المدعمة بالذكاء الاصطناعى وبالتالى انتفت الحاجة للحفظ لكن الاعتماد التام على تلك البرمجيات يشجع على الكسل فى التأكد من صحة المعلومة وهذا خطر.

    •  الجيل الحالى أصبح تركيزه منخفضًا جدًا نتيجة قضاء وقت طويل مع منصات التواصل الاجتماعى التى تعتمد على عبارات قليلة وصور وفيديوهات أكثر. هذا يجعل قراءة مقال طويل أو كتاب عملية صعبة ومملة، بل قد يعتمد الجيل الحالى على البرمجيات التى تلخص المعلومات، وهذا يأتى على حساب العمق.

    •  الأهل فى عصرنا أصبحوا يهتمون بحصول أبنائهم على الشهادات ومن جامعات تحمل أسماء أجنبية. عقدة الخواجة ووجود مشاكل فى التعليم المحلى يجعل الشهادة أهم من التعليم نفسه. نتيجة ذلك أن أصبح الجيل الحالى ينفق أكثر على التعليم ويقضى وقتًا أقل فى المذاكرة ويحصل على درجات أعلى. كما أصبحنا نرى إعلانات الجامعات تُظهر الحفلات والملاعب أكثر مما تظهر المعامل والتدريس.

    •  الجيل الذى نشأ فى أحضان ألعاب الكمبيوتر التى تعتمد على ضرب الخصم قبل أن يضربك معناه أنك تتحرك قبل أن تفكر.

بعض الصفات التى ذكرناها يمكن تداركها وإصلاحها والبعض الآخر سيستمر معنا، بل سيصبح أكثر حدة فى الأجيال القادمة مثل التركيز وعدم القدرة على الحفظ والتحرك قبل التفكير فى أحيان كثيرة. تكلمنا عن التعليم فى الجامعة وعن الطلاب. هناك نقطة مهمة يجب ألا نغفلها.

•  •  •

تصنيف الجامعات على مستوى العالم يأخذ أكثر كثيرًا من حقه. تحدثنا بالتفصيل فى مقال سابق عن تصنيف الجامعات لكن دعنا نلخص ما قلناه ونزيد عليه نقطة. ما قلناه أن التصنيف العام للجامعات أهميته قليلة جدًا، المهم هو التصنيف فى كل تخصص، لأنه قد تكون هناك جامعة ذات تصنيف متأخر نسبيًا لكنها من أقوى الجامعات فى العالم فى تخصص أو تخصصين. النقطة التى أريد أن أطرحها وهى كذلك رأى شخصى أن التصنيف العام يضيع وقت الجامعات التى تريد بناء تعليم وبحث علمى قويين؛ لأنه يجعلها تركز على نقاط لا تدخل فى صلب تحسين الجامعة، مثلاً من العوامل التى تؤثر على التصنيف العام نجاحات خريجى تلك الجامعة وهذا النجاح يعتمد على عوامل كثيرة أكثر أهمية من تصنيف الجامعة التى تخرج منها، من العوامل أيضًا عدد الأبحاث المنشورة لكن قد ينشر أساتذة جامعة معينة أبحاثًا فى مؤتمرات ومجلات ضعيفة فقط لزيادة العدد. المهم أن التركيز على تحسين العملية التعليمية أولاً ثم البحث العلمى ثانيًا أهم كثيرًا من تصنيف الجامعات التى وضعها الغرب ليشغل بها الجميع عن العوامل الأكثر أهمية.

•  •  •

بداية السير على الطريق الصحيح هو الإجابة بصدق على الأسئلة التالية:

    •  سؤال لأُسر الطلاب: هل ترى أن بعض الكليات أو التخصصات أعلى فى المستوى أو المكانة الاجتماعية من تخصصات أخرى؟ وتريد لأبنائك الدراسة فى تلك التخصصات ذات المكانة الأعلى (من وجهة نظرك) حتى وإن كان الأبناء لا يستسيغون ذلك التخصص وشغفهم فى تخصص آخر؟

    •  سؤال للطلاب والأهل: هل إذا كان اسم الجامعة اسمًا أجنبيًا أو هناك تعاون بين الجامعة فى الداخل مع أخرى فى الخارج يعتبر فى رأيك أن هذه الجامعة هى الأفضل؟ إذا كانت الإجابة بنعم فهل بحثت عن تلك الجامعة الأجنبية وبحث عن تصنيفها فى التخصص المراد دراسته؟ هل تظن أن الجامعة طالما هى أجنبية فهى بالضرورة أفضل من جامعات محلية؟ ولماذا؟

    •  هل تظن أن اللغة الأجنبية أهم فى هذا العصر من اللغة العربية؟ ولم؟

    •  هل تظن أن الطموح فى هذا العصر متعلق بالمكانة الاجتماعية والقدرة المادية فقط؟ لا أريد أن أنخرط فى إعطاء نصائح (الجيل الجديد لا يقبل النصيحة المباشرة على أية حال) لكن هذا السؤال مهم جدًا.

التعليم الجامعى أكثر بكثير من تدريس مجموعة من المهارات، وهو قاطرة تقدم أى دولة وإهماله كارثة كبرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved