أوباما فرصة، هل سنضيعها؟!
معتز بالله عبد الفتاح
آخر تحديث:
الثلاثاء 24 فبراير 2009 - 4:13 م
بتوقيت القاهرة
هذا المقال يناقش نبؤة، أتمنى أن تكون هادمة لذاتها، كمن يتنبأ بالفشل فينتبه الغافل ويجتهد حتى لا يفوت الفرصة المتاحة. إذن هناك شقان الأول عن واشنطن وما فيها والآخر عن العرب وما ينقصهم.
أما بشأن واشنطن في ظل أوباما فهناك ملمحان جديدان يستحقان الرصد. الأول أنه رئيس يحاول أن يعيد للبيت الأبيض العمق الثقافي intellectualism في العلاقات الدولية بعد غياب طويل يقدره بعض المؤرخين بقرابة المائة عام منذ عهد ودرو ويلسون، وبينهما ومضات سريعة على نمط جون كينيدي وجيمي كارتر. فخلا هؤلاء الأربعة، تعاقب على حكم الولايات المتحدة ساسة محترفون أو عسكريين سابقون كانت شعاراتهم جزءا من أدواتهم لإدارة الرأي العام أكثر من كونها قيودا تهذب براجماتيتهم. وقد بدأ أوباما في الساعات الأولى لحكمه بالتأكيد قولا وفعلا على ضحد أي تناقض بين تحقيق الأمن الأمريكي واحترام مباديء القانون الدولي.
ثانيا هو يأتي في أعقاب واحد من أقل الرؤساء الأمريكيين حنكة وحكمة، وهو ما يدركه أوباما من سوء تقدير بوش للتحديات التي تواجه الولايات المتحدة وسوء صياغة ردود الفعل تجاهها، وهو ما يجعله يرى في نفسه أنه أقرب إلى إبراهام لينكولن الذي قاد حرب توحيد أمريكا بعد إعلان ولايات الجنوب الاستقلال في أعقاب الشلل السياسي الذي عاناه جيمس بوكانون والذي رفض شن الحرب على ولايات الجنوب باعتبار أن إعلانها الاستقلال غير دستوري كما أن شن الحرب عليه غير دستوري، فأخطأ التشخيص وأخطأ العلاج.
والأمر كذلك في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، فهو يرى أن الحرب على الإرهاب أفضت إلى نتائج متناقضة مع السياسات المعلنة وهو ما جعله يلزم نفسه، عكس ما توقع كثيرون، بسرعة العودة إلى أصل المعضلة وهي الصراع العربي الإسرائيلي جنبا إلى جنب مع الإنسحاب "المسؤول" من العراق، وإعادة توجيه الاهتمام إلى أفغانستان والتفاوض مع إيران لأنها كلها قضايا مترابطة تحتاج إلى إعادة هيكلة المنطقة من خلال "الدبلوماسية الذكية" وليس من خلال "الفوضى الخلاقة."
إذن هي لحظة فارقة ومهمة في تاريخ الولايات المتحدة ولكن معطيات الواقع العربي تشير إلى أننا سنضيع هذه الفرصة. ومن أسف، فإن مقولة أبا إيبان، مهندس الدبلوماسية الإسرائيلية ووزير خارجيتها، عن أن الفلسطينين "لا يضيعون فرصة في تضييع ما يتاح لهم من فرص" تصف آفة تصدق على الفلسطينين بحكم أنهم جزء من كل.
فهاهي الفرصة، وهكذا سنجتهد في تفويتها.
أولا على المستوى الداخلي: سيستمر العرب في استقطابهم الداخلي بين أنظمة حكم قمعية تسيطر على القصر والجيش ومعارضة "إسلامية" تعبء الجامع والشارع، وتظل الأحزاب اليسارية والليبرالية هشة ومنقسمة تقوم بدور المعارضة شكلا المتعارضة مضمونا. وينعكس كل ذلك في قدرة العرب على إجبار الآخرين على تطوير استجابات أكثر اتساقا مع مصالحهم باعتبارهم يجسدون دونية الدول الإقطاعية ذات الحق الإلهي للرؤساء والأمراء في الحكم المنفرد في مواجهة إسرائيل التي تسوق نفسها بأنها الديمقراطية الوحيدة المستقرة في الشرق الأوسط والتي يتبدل على حكمها أحزاب وفقا لإرادة ناخب حر، كامل المواطنة.
ثانيا على مستوى الدول ذات الصراعات الداخلية: سيظل بأس إخواننا الفلسطينيين بينهم شديدا، متفرقين بين 13 فصيل، لكل وجهة هو موليها. فبين صاروخ هنا وعملية انتحارية هناك، بين دعوة للتفاوض هنا، وتوقيع اتفاقات تفاقم الهوة هناك، يجدون قضيتهم قد ضاعت لأنه ليس من المنطقي أن يتعاطف العالم مع قضية لم ينجح أصحابها في رأب صدع خلافاتهم بشأنها. وستظل هشاشة بنية الدولة العراقية التي تعكس الانقسامات المجتمعية لتجعل من العراق لبنان آخر، يتبنى سياسة الحذر كل الحذر حتى لا تؤدي الاستقطابات الإقليمية إلى انفجار داخلي، والسودان والصومال ليسا عنا ببعيد.
ثالثا على المستوى الإقليمي: ستظل سياسات المحاور العربية مستقرة بين مغرب عربي يبدو منعزلا بخلافاته الثنائية وارتباطاته الأوروبية عن قضايا المشرق، وسيظل الخليج العربي في بحثه عن الاستقرار المستورد من خلال التحالف مع الولايات المتحدة بالأساس خوفا من الطموحات الإيرانية الضاغطة والتي ستظل سياسة مستقرة بغض النظر عن نتائج الانتخابات القادمة في إيران، فالمعلن إيرانيا يرتبط بعلي خامنئي أكثر من ارتباطه بأحمدي نجاد.
وسيظل المحور المصري السعودي قائما بدوره في رفع شعارات التسوية مهما كانت توجهات إسرائيل العدوانية تجاه الجميع ملقيا اللوم دائما على من يستثير إسرائيل. وسيظل المحور السوري الإيراني رافضا للاختراق الأمريكي – الإسرائيلي للمنطقة بمد يد العون لقوى المقاومة والممانعة لتدمير جهود المحور الآخر. وستظل دول الهامش العربي، وعلى رأسها قطر في حالة نشاط دبلوماسي بسبب انشغال دول المركز بصراعاتها البينية، والمحصلة المزيد من عمق الخلافات؛ فلا يحسن العرب التسوية كما لم يتقنوا الحرب والمقاومة.
رابعا على المستوى الدولي: ستنعكس انقساماتنا الداخلية والعربية على الرؤية الاستراتيجية لدول العالم الأخرى لنا. فعند القوى الكبرى سيظل العرب ساحة لثلاثة قوى: الأولى تقوم بدور محطات بنزين على وشك النفاذ بما يفضي لأهمية استراتيجية متناقصة، والثانية ساحة للصراع الأصولي العلماني بما يعنيه من تراجع آمال التحول الديمقراطي، و الثالثة مجتمعات هشة بسبب انقساماتها القبلية والعرقية تسيطر عليها نخب قمعية كبديل وحيد عن الانفجار الذاتي.
أو مزيج من الثلاثة. وعليه فما أشبه الليلة بالبارحة، فستظل القوى الكبرى ملتزمة بأمن إسرائيل وتفوقها وحقها في الدفاع الشرعي عن نفسها في مواجهة استقطابات عربية وطموحات إيرانية، إن تم تسويتها فسيكون على حساب العرب. وغالبا سيرسب القادة في امتحان أوباما الذي سجله في خطاب تسلمه الحكم: «الشعوب ستحكم عليكم بما تبنون لا بما تدمّرون». وعليه فلن تكون المشكلة في واشنطن أو عند أوباما وإنما في ديارنا وبأيدينا. والله أسأل أن يكون كل ما سبق محض خطأ كبير في التحليل.