الصراع الرئاسى على قلب مصر
عبدالمنعم المشاط
آخر تحديث:
الإثنين 24 فبراير 2014 - 6:15 ص
بتوقيت القاهرة
ليس لدىّ أدنى شك فى أن الانتخابات الرئاسية 2014 هى أهم انتخابات فى تاريخنا لأسباب عديدة؛ لأنها تضع نهاية لمرحلة انتقالية صعبة امتدت ثلاث سنوات لفظها المصريون، ولأنها ترتبط بجدل سياسى لم يسبق له مثيل حول طبيعة النظام السياسى القادم وما إذا كان يقيم نظامًا ديمقراطيًا عصريًا أم لا، و لآمال المصريين فى أن ينتهى عنف وإرهاب جماعات الإسلام السياسى بتفريعاتها وتنظيماتها المختلفة، ولأنها تقام فى ظل أزمات اقتصادية متوحشة تضع مسئوليات وتحديات ينبغى أن يواجهها المرشح الفائز دون ضجر أو مواربة، ولأن السنوات الأربع القادمة تشكل قواعد وأسس بناء مستقبل الدولة المصرية ومكانتها الإقليمية ووضعها الدولى، يضاف إلى ذلك أن المصريين يعلقون آمالا غير محدودة وتوقعات كبرى على الرئيس القادم للارتقاء بكل من مستواهم المعيشى وجودة الحياة وزيادة نصيبهم من عوائد السياسات العامة، ولا شك أن درجة استجابة الرئيس القادم لتلك التوقعات تحدد طبيعة العلاقة بينه وبين المصريين؛ فإن حقق مآربهم التفوا حوله، وإن خذلهم زاد الإحباط وانتشر التمرد وعم عدم الاستقرار وانفضوا من حوله.
•••
ويبدو أن المتنافسين على مستقبل مصر لم يحسموا أمرهم بعد بشأن ما الذى يقدمونه لمصر والمصريين، وقد جرى العرف فى العالم، كما حدث فى الانتخابات الرئاسية عام 2012، على أن يقدم كل مرشح برنامجًا انتخابيًا يحدد فيه خططه وأدواته لتحقيق الأهداف والسياسات التى تنهض بالوطن والمواطنين، بيد أن تجربتنا مع الرئيس المعزول تؤكد أن أحدًا لا يلتزم بالبرامج، ومع ذلك؛ فإن الناخبين يدلون بأصواتهم بناءً على معيار أو عدة معايير كالآتي؛ إما شخصية المرشح، والتى تتشكل عبر تاريخه المهنى والسياسى والاجتماعى، ومدى تمتعه بنوع من الكاريزما، وإما الانتماء لحزب المرشح، وهذا معيار مهم فى النظم العقائدية، وإما البرنامج الذى يقدمه المرشح، وفى الحالة المصرية، نتوقع أن يكون المعيار الأهم هو شخصية المرشح.
•••
والجديد الذى ننتظره من المتنافسين ليس هو البرنامج، والذى يمثل الخطط والأدوات التنفيذية، وإنما الرؤية Vision، والتى ينبغى أن يعبر عنها كل مرشح وكل متنافس؛ الرؤية لمصر ومستقبلها ووضعها ومكانتها ووضعية المواطنين فى الداخل والخارج؛ ففى الانتخابات الأمريكية عام 80، حدد الرئيس الأمريكى الأسبق ريجان رؤيته كالتي: «الولايات المتحدة رقم 1» أى أنها يجب أن تقود النظام الدولى، وذلك لتقويض قوة الاتحاد السوفيتى، واعتقد البعض أن مواهب ريجان التمثيلية فى هوليوود غلبت على توجهاته السياسية؛ فكيف يمكن أن تصير الولايات المتحدة رقم 1 فى نظام القطبية الثنائية، وفى إطار الندية بين الطرفين، وفور فوزه بالرئاسة الأمريكية، أطلق مبادرة الدفاع الاستراتيچى SDI وطلب من الكونجرس تخصيص 300 مليار دولار إضافى لتنفيذها، وتقضى المبادرة ببناء شبكة دفاع جوى تغطى سماء الولايات المتحدة وتعيد أى هجوم نووى سوفيتى إلى الأراضى السوفيتية، وأدرك السوفييت الخطر على مفهوم الرادع النووى وعجزهم عن تخصيص أية موارد إضافية للدخول فى هذا السباق الجديد، وسارعوا إلى عقد اتفاقية SALT 3، والتى نتج عنها تدمير بعض ما لدى الطرفين من صواريخ نووية عابرة للقارات، وبعد أقل من عشر سنوات، سقط الاتحاد السوفيتى وصارت الولايات المتحدة رقم 1 على قمة النظام الدولى حتى ألمت بها الأزمة المالية عام 2009.
•••
لا تحتاج مصر إلى برامج انتخابية إعلامية مستهلكة، ولكنها تحتاج إلى من يقدم لها رؤية للمستقبل، مصر: الدولة الإقليمية المركزية مثلاً، تتضمن ملامح جديدة، كلها من خارج الصندوق، كلها غير تقليدية، كلها تتطلب تعبئة ومشاركة جماعية، كلها تصب فى بناء مصر الديمقراطية الحديثة ومصر الجديدة، كلها تبشر بمرحلة جديدة New Era، وأول الملامح والتحديات تدور حول الخروج من الانفلات الأمنى إلى الأمان الإنسانى ومكافحة الإرهاب وصيانة أرض الوطن من العابثين بها، وتدور كذلك حول التدهور الاقتصادى المتمثل فى معدل النمو المتآكل (1%)، والبطالة العالية (12%)، والتضخم المرتفع (11%)، وتمتد إلى تدهور البنية الأساسية من مياه شرب وصرف صحى وطرق ومواصلات؛ فكيف يمكن تحقيق الانطلاق الاقتصادى وجذب الاستثمار المصرى والأجنبى وتحويل السياحة إلى صناعة بقصد زيادة معدل نمو ومواجهة التضخم وفتح آفاق جديدة للعمل.
•••
ويرتبط بذلك كيفية الارتقاء بالسياسات العامة لخلق مواطن يكون على قدر المنافسة الدولية فى سوق العمل من حيث قدراته المهنية ومعارفه التكنولوچية، وما هى صورة التعليم والصحة والنقل والمواصلات، وكيف يمكن ربط أوصال الدولة المصرية ووصلها بجيرانها، وكيف يمكن ربط العدالة الاجتماعية بالارتقاء بالقدرات الإنتاجية والإبداعية للمواطن المصرى، وكيف يمكن بناء نظام سياسى يقوم على التداول السلمى للسلطة كما ورد فى الدستور، وهل يمكن تدريب وتثقيف وتعليم المصريين أسس المشاركة السياسية وحقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية وبناء المؤسسات الحديثة، وبناء قواعد من الشفافية والإفصاح دون خجل، وهل يمكن أن تضمن المقررات المدرسية والجامعية ما يؤصل لثقافة الديمقراطية.
وفوق ذلك كله، ما هى رؤية المرشح المنتخب لدور مصر الإقليمى كدولة إقليمية مركزية تلعب دور عامل الترجيح الأساسى نحو التكامل والاندماج، وتدفع عن الإقليم عوامل التنافر ومصادر التهديد؟، وكيف يمكن إحياء معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى بين الدول أعضاء جامعة الدول العربية وتفعيلها وإنشاء الجيش العربى الموحد، وتحويل الجامعة العربية إلى الاتحاد العربى؟، وهل يمكن إنشاء مجلس تعاون لدول حوض النيل وتقوية الاتحاد الأفريقى وتحديثه؟، ويرتبط بذلك تنويع السياسة الخارجية بما يتناسب مع هيكل النظام الدولى الراهن، والذى يتسم بالتعددية القطبية، فضلاً عن تلك الرؤية؛ فإن شخصية المرشح المنتخب لرئاسة مصر سوف تفوز بلقبها لتاريخه وتضحيته فى سبيلها وإصراره على مكافحة الفساد وتطهيرها منه، وإعلائه للقانون والمساواة أمامه بين الجميع، وحب المصريين له عن تقدير واحترام، لأنه سوف يتخذ قرارات مصيرية من خارج الصندوق.