هجوم على الرئيس
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 24 فبراير 2015 - 12:00 م
بتوقيت القاهرة
الهجوم الضارى الذى شنته عناصر الإخوان المسلمين على خطاب الرئيس السيسى الذى ألقاه مساء أمس، كان كالطبل الأجوف، حيث قال بعضهم ــ بدون أن يقدموا لنا دليلا واحدا منطقيا أو حتى غير منطقى، إن الخطاب يؤكد أن «الانقلاب» يترنح، وأن محمد مرسى سيعود للقصر، وهو ما عبر عنه ــ ببلاهة شديدة ــ نشيد غنائى عقيم يمجد فى مرسى، يقتحم أذنيك بمجرد أن تفتح صفحة الإخوان المسلمين على الانترنت، أما أكثر الإخوان ذكاء فلم يجدوا ما ينتقدون به خطاب الرئيس سوى أن عملية المونتاج لم تكن على المستوى الفنى المطلوب، وأن نظرات السيسى تعبر عن شعوره بالقلق، وأنه يريد – فى نفس ذات الوقت – أن يستعيد شعبيته التى تتناقص خلال الشهور الماضية!!
صحيح أن الإخوان قدموا لنا بهجومهم على خطاب السيسى، دليلا كوميديا جديدا على مدى ضحالتهم الفكرية والثقافية وخوائهم السياسى، لكنهم قدموا لنا ايضا فاصلا مأساويا عميقا يدل على أزمتهم الأخلاقية والعقلية الفادحة، عندما تناسوا فضائح خطب رئيسهم المبجل محمد مرسى ومأثوراته الخرقاء عن «الحارة المزنوقة» و«الصوابع اللى بتلعب جوا مصر» و«مؤخرة طائر النهضة» و«الواد عاشور بتاع الكهربا»، وغيرها من التعبيرات المسفة البليدة التى كانت مثار سخرية المصريين، التى ربما عجلت بثورتهم عليه.
كان يمكن للإخوان أن يهاجموا الرئيس من منطلقات جادة وموضوعية عديدة، لكنهم كالعادة أثبتوا أنهم بلا كفاءة ولا خبرة حقيقية، فعلى سبيل المثال جاء كلام الرئيس عن مفهومه للعدالة الاجتماعية غامضا إلى حد كبير، فما طرحه الرئيس فى هذه القضية اقتصر على تمويل مشاريع صغيرة ومتناهية الصغر لمساعدة الشباب وتوفير فرص عمل لهم، ومساعدة الغارمات على تسديد ديونهن وإطلاق سراح المسجونات منهن، مع أن مفهوم العدالة الاجتماعية أكبر من هذه الإجراءات بكثير، فهو فى حدة الدنى يتطلب من الرئيس تبنى سياسات، قد تكون صعبة، لمحاربة الفقر التى يرزح تحته 40% من المصريين حسب أكثر الاحصائيات تفاؤلا، وإجراء تغييرات فى نمط الاستهلاك بما يستتبعه ذلك من إعادة توزيع الدخل القومى، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية بمساواة كاملة بين الفقراء والاغنياء، إلى آخر هذه المطالب التى اندلعت من اجلها ثورة يناير.
مالم يفهمه الإخوان – ولن يفهموه – أن ما طرحه الرئيس فى هذا الإطار أقل كثيرا من طموحات المصريين، فهم شركاء مبارك الرسميون فى النهب المنظم لثروات البلد، وشركات كبار قياداتهم العابرة للحدود، وملياراتهم المكنزة فى البنوك الغربية خير دليل على ذلك، ومحاولتهم السيطرة على البلد خلال سنة حكمهم السوداء تؤكد انهم كانوا الوجه الاخر لدولة مبارك بكل فسادها الاقتصادى والسياسى!
خطاب الرئيس الذى كشف أن لديه استراتيجية واضحة وناجحة فى التعامل مع التحديات الاقليمية، لمواجهة قوى الارهاب، ومخططات الفوضى الخلاقة، وسيناريوهات امريكا التى تضغط بقوة لإعادة الإخوان للمشاركة فى مؤسسات الحكم فى مصر، أصاب الإخوان بالذعر، لكن غياب سياسات واضحة لمعالجة أزماتنا الاقتصادية المتفاقمة، سوف يعطى لهم المجال للحركة والمزايدة، استثمارا لنقمة المصريين على تردى أوضاعهم المعيشية وارتفاع الأسعار وزيادة معدلات البطالة.
معركة السيسى الحقيقية ليست ضد الإخوان ولا ضد قنابلهم الإرهابية التى يفجرونها هنا وهناك، معركته الحقيقية ضد الفقر وتبنى سياسات تنموية بديلة تنتمى فعلا لثورتى يناير ويونيو.