اتفاقية السلام ومعاهدة الدفاع العربى المشترك
سيد قاسم المصري
آخر تحديث:
الأحد 24 مارس 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
يوجد بميثاق الأمم المتحدة مادة هى المادة 103 تقضى بأنه فى حالة وجود تعارض بين التزامات أى دولة عضو بموجب هذا الميثاق وبين التزاماتها بموجب أى اتفاقية دولية أخرى فإن التزاماتها بموجب الميثاق هى التى تسود.
وقد ضمنت إسرائيل مشروعها لمعاهدة السلام مع مصر نصًا منقول بالحرف من نص المادة 103 من الميثاق مما يجعل التزامات مصر بموجب معاهدة السلام تعلو على جميع التزامات مصر بموجب المعاهدات الأخرى، وأدرج هذا النص بالمعاهدة تحت رقم المادة السادسة.
وأعلنت إسرائيل تمسكها بهذه المادة واعتبرتها قلب المعاهدة وأنه بدونها تصبح المعاهدة لا قيمة لها حيث تستطيع مصر أن تحلل من التزاماتها فى أى وقت إذا ما تعرضت دولة عربية لما يمكن أن تعتبره مصر عدوانًا مسلحًا من جانب إسرائيل، بل إن مصر تستطيع أن تتحلل من التزاماتها فى أى وقت إذ يمكنها الاستناد إلى قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التى تعتبر استمرار الاحتلال نوعًا من العدوان (قرار تعريف العدوان) وأنه يحق لها أن تهب لمساعدة الدول العربية التى تعرضت للهجوم وفقا لالتزاماتها بموجب الدفاع العربى المشترك.
وإزاء إصرار إسرائيل على هذا الموقف وإزاء رفض مصر القاطع لصياغة تجعل التزامات مصر العربية فى منزلة أدنى من التزاماتها تجاه إسرائيل.. توقفت المفاوضات وعاد الوفد المصرى للقاهرة، وفى محاولة من إسرائيل للسيطرة على زمام المبادرة الإعلامية، أعلنت أنها تقبل مشروع المعاهدة كما تم وضعه فى واشنطن بدون أية شروط سوى قبول مصر له.. وبذلك وصلت الأمور إلى طريق مسدود.
•••
وفى مثل هذه الأيام من عام 1979 وبالتحديد فى الأسبوع الأخير من شهر مارس صحبت الدكتور بطرس غالى وزير الخارجية بالنيابة الذى كنت أعمل كمستشار بمكتبه إلى اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية بالكويت، وهو آخر اجتماع شاركت فيه مصر قبل تعليق عضويتها بالجامعة، ثم أعلن أن الرئيس الأمريكى كارتر وصل إلى القاهرة وأنه يقوم بجولات مكوكية بين مصر وإسرائيل سعيا وراء التوصل إلى حل للمشكلات المتبقية فى مشروع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.
وقد تم التوصل خلال هذه الجولات إلى تفسير «للمادة السادسة» يرفق بالمعاهدة وذلك تمسكًا من الجانب الأمريكى بعدم المساس بنص المعاهدة تجنبا لفتح باب التعديلات.. وينص التفسير على اتفاق الطرفين على أنه لا يوجد فى هذه المعاهدة ما يشير إلى أنها تسود على أى اتفاقات أخرى، كما أن أى اتفاقات أخرى ليس لها حق السيادة على هذه الاتفاقية.
وأدرج هذا التفسير ضمن ملاحق المعاهدة.. وهو تفسير يندرج فى نطاق ألاعيب الصياغات الدبلوماسية التى تعطى لكل طرف الفرصة لكى يدعى أنه حصل على ما يريد، دون أن تغير من الأمر شيئًا.
•••
وقد يكون من المفيد فى هذا الصدد الرجوع إلى محاضر الاجتماعات التى تناولت هذا الموضوع والخلافات الشديدة التى شابته وتباين المواقف تجاهه، فعندما استحكم الخلاف بين مصر وإسرائيل بشأن المادة السادسة تقدمت الولايات المتحدة برأى قانونى بشأن هذه المادة مفاده «أنه لمصر الحق فى مساعدة أى دولة عربية عسكريًا إذا ما تعرضت لهجوم إسرائيل مسلح».
(يلاحظ أنها لم تستخدم كلمة عدوان نظرًا لأن تعريف العدوان الذى أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة يتضمن اعتبار احتلال الأراضى بالقوة أو ضمها نوع من أنواع العدوان).
Any military occupation, however temporary resulting from invasion or attack, or any annexation by the use of force of the territory of another state.
بينما لا يكون لمصر هذا الحق إذا ما حدث الهجوم من جانب دولة عربية على إسرائيل.
وقد كان رد فعل إسرائيل عنيفًا على هذه المقترحات الأمريكية إذ اعتبرته يلغى المعاهدة من أساسها ويسلبها روحها واعتبرته تقنينا للحرب بإضفاء صفة المشروعية عليها فى معاهدة سلام.
وقد تعقد الموقف أكثر من ذلك بقيام إسرائيل بتوجيه أسئلة رسمية مكتوبة إلى الولايات المتحدة كان من بينها سؤالًا عما إذا كان استمرار احتلال إسرائيل للأراضى العربية يعد هجومًا مسلحًا بمفهوم الرأى القانونى الأمريكى يبيح لمصر الحق فى التدخل العسكرى طبقا لاتفاق الدفاع المشترك، وكان الرد الأمريكى أنه بعد صدور القرار رقم 242 فإن الاحتلال الإسرائيلى لم يعد عدوانا!!
وكان السؤال الثانى فى قائمة الأسئلة الإسرائيلية الموجهة لأمريكا يتعلق بحق الدفاع الشرعى عن النفس وهل تدخل فى نطاقه العمليات العسكرية التى تقوم بها إسرائيل ردًا على عمليات فدائية إلا أن الولايات المتحدة أجابت بأنها لا تستطيع أن تعطى ردًا على هذا السؤال، يكون شاملا لكافة أنواع الحالات التى يحق أو لا يحق لإسرائيل التدخل العسكرى بموجبها.
وكانت أمريكا تحاول باستماته إقناع مصر بقبول الرأى القانونى الأمريكى وذكرت أن هذا الرأى تضمن لأول مرة موافقة صريحة من أمريكا لعمل عسكرى تقوم به مصر ضد إسرائيل إلا أن مصر لم يكن بوسعها قبول الرأى القانونى بعد الردود التى وجهتها أمريكا لإسرائيل ردًا على أسئلتها والتى يمكن تفسيرها بأن أمريكا تعتبر استمرار احتلال الأراضى أمرًا مشروعا، وأنها ــ أى مصر ــ ستضطر فى حالة إصرار أمريكا على موقفها إلى تقديم أسئلة لها على غرار ما فعلته إسرائيل وإن ذلك سيدخلنا فى حلقة مفرغة.
وإن الموقف المصرى المبدئى هو تعديل المادة السادسة لإزالة أى لبس فى صياغتها.
وقد دامت أزمة المادة السادسة عدة شهور إلى أن تم التوصل إلى الصيغة الواردة فى المحضر المتفق عليه، وفى اعتقادى أن الرأى القانونى الأمريكى الذى قدم رسميًا للأطراف سيفيد فى تفسير المادة السادسة بالرغم من رفض مصر له ورفض إسرائيل له فقد انتهى بوضوح إلى حق مصر فى مساعدة أى دولة عربية عسكريًا إذا ما تعرضت لهجوم إسرائيلى مسلح تنفيذا لاتفاقية الدفاع العربى المشترك.
•••
وفى الواقع فإن السادات ــ رحمه الله ــ كان يبحث عن ورقة توت يتقى بها أى هجوم إعلامى، إذ لم يكن يكترث كثيرا بالصياغات القانونية والدبلوماسية وكان يرى أنها «كلام فارغ»، وأننا فى الواقع نعطيهم «ورق» مقابل استعادة الأرض والسيادة.. لذلك لم يتردد فى قبول التفسير الأمريكى الذى يمكنه من القول بأن التزامات مصر العربية لم تمس.. رحمة الله عليه كان كثيرًا ما يقول أنه يرى الغابة وأنتم لا ترون إلا الشجرة.
كاتب ومحلل سياسى