أوباما وميدفيديف.. صفحة جديدة؟
السيد أمين شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 24 أبريل 2009 - 6:17 م
بتوقيت القاهرة
توافق مجىء إدارة بوش الابن فى الولايات المتحدة 2001/2008 واتجاهات ومفاهيم القوة والهيمنة والعمل المنفرد التى سيطرت عليها ، مع مجىء زعيم شاب فى روسيا الاتحادية، هو فلاديمير بوتين، الذى جاء مصمما أن يوقف الانهيار الداخلى الذى شهدته روسيا فى عهد بوريس يلتسين، وأن يستعيد مكانتها ودورها الدوليين بعد المهانة التى عانت منها خلال التسعينيات.
ومن أجل هذا كان على بوتين أن يصطدم بمجموعة من الخطط الأمريكية، واعتبار أنها تهدد الأمن القومى الروسى. فعارض بشدة المشروعات الأمريكية فى بناء درع صاروخية فى شرق أوروبا، وسياسة توسيع حلف شمال الأطلنطى «الناتو» لكى يضم جمهوريات سوفييتية سابقة تمثل ما يعتبر منطقة نفوذ تقليدية لروسيا.
ومن أجل تأكيد مكانة روسيا ودورها الدولى، اتبع بوتين عددا من السياسات المناوئة للولايات المتحدة والغرب، فى مواقع حساسة مثل إيران والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، وبلغ الغضب الروسى والرغبة فى تأكيد الذات قمته فى الحرب على جورجيا التى اعتبرت حدا فاصلا فى العلاقة بين روسيا وكل من الولايات المتحدة والغرب.
وهكذا انتهى عهد إدارة بوش والعلاقات مع روسيا تقترب من حد الأزمة وتجدد الحديث عن عودة الحرب الباردة. ومثلما جاء رئيس جديد فى روسيا، ديمترى ميدفيديف، يعد استمرارا لسياسة بوتين، تلاه بعد شهور فى الولايات المتحدة رئيس أمريكى جديد، هو باراك أوباما، الذى ورث أوضاعا مضطربة فى علاقات أمريكا مع العالم.
وكانت رسالته فى حملته الانتخابية هى التغيير والتجديد وتصحيح أخطاء سياسات بوش وبناء علاقات جديدة مع قوى ومناطق العالم، وكان من ضمن ذلك التأكيد على الرغبة فى التعامل مع روسيا، وهو ما أكده فى خطاب تنصيبه ومناسبات أخرى.
وفى شهوره الأولى فى السلطة تكررت هذه الإشارات الايجابية تجاه روسيا، وهى الإشارات التى رحب رئيسها الجديد بها وتجاوب معها بالاستعداد للتعاون مع أمريكا فى مأزقها فى أفغانستان بالسماح بالإمدادات غير العسكرية أن تمر إلى أفغانستان عبر روسيا، وإن كان هذا لم يمنع تشجيع روسيا لجمهورية قرغيزيا على غلق القاعدة الأمريكية فى باناس.
ثم مع اقتراب القمة الاقتصادية فى لندن ومجموعة العشرين، أعرب الرئيس الروسى عن تطلعه للقاء مع نظيره الأمريكى، واعتبر المراقبون أن هذا التطلع جاء تحت تأثير الأزمة المالية العالمية التى ضربت روسيا، وإدراك روسيا لحاجتها إلى العمل ضمن النظام الاقتصادى العالمى بأركانه الرئيسية فى الولايات المتحدة والغرب. وعشية القمة كتب ميدفيديف مقالا فى واشنطن بوست قال فيه إنه لا الولايات المتحدة ولا روسيا تستطيعان التسامح مع هذا الانحدار فى علاقاتهما «وأزمة الثقة»، التى أرجعها إلى جهد بوش لبناء نظام للدفاع الصاروخى فى شرق أوروبا وتوسيع حلف الناتو وعمله على ضم جمهوريتين سوفييتيتين سابقتين.
واتفق مع أوباما على أن استئناف نزع السلاح يجب أن تكون له الأولوية العاجلة، مستخلصا أن الرغبة فى ضمان الأمن المطلق بطريقة أحادية هى وهم خطير «وهو ما أرجو من شريكنا الجديد فى واشنطن أن يدركه».
وفى لقائهما والبيان المشترك الذى صدر عنهما، كانت أكثر الأمور تحديدا فى التى أعلنها البلدان هو الاتفاق على البدء فى محادثات جديدة لخفض التسلح، ورغم عدم التطرق إلى أرقام، فإن الرسميين الروس والأمريكان قد أشاروا بشكل خاص إلى إمكان الاتفاق على خفض مخزونهما ربما إلى 1500 رأس نووية من 2200، والتى كانت تسمح بها اتفاقية خفض الأسلحة الإستراتيجية STARI التى وقعت خلال عهد جورج بوش الأب، والتى تنقضى فى ديسمبر هذا العام.
وباعتبار أن الأسلحة الإستراتيجية كانت تمثل جوهر العلاقات بين القوتين حتى خلال العهد السوفييتى، فإن تجديد هذه الاتفاقية سوف يساعد على إحياء العلاقات المتوترة ووضع الأساس لمزيد من خفض التسلح. وواضح أن الرسميين فى كل من واشنطن وموسكو قرروا التركيز على ضبط التسلح لأنه أقل القضايا المتنازع عليها بين البلدين والتى عكرت صفو العلاقات، وهى بالتأكيد أقل من قضية الدفاع الصاروخى.
وعلى الرغم من تعبير البيان المشترك عن «رغبة البلدين واستعدادهما لتجاوز عقلية الحرب البادرة وترجمة الكلمات الجادة إلى انجازات حقيقية لمصلحة البلدين والعالم، ورغم نطاق القضايا التى عالجناها بهذه الروح مثل أفغانستان وإيران والشرق الأوسط، فإن الخلافات بقيت واضحة بين القوتين النوويتين وبشكل خاص حول مشروع الدرع الصاروخية والتى كانت من أبرز أسباب تعكير العلاقات خلال عهد بوش»، ويعنى الخلاف أن روسيا لن تتخلى عن معارضتها للمشروع، وأن أوباما ليس مستعدا للتخلى عنه حتى يحصل على شىء فى المقابل من روسيا وبشكل خاص فى الجهود الدولية لمنع إيران امتلاك أسلحة نووية.
وعلى الرغم من لمسة التعاون التى أحاطت بلقاء الرئيسين فإن الرغبة فى التعاون، كما لاحظ المراقبون، تحدث فى وقت تتشدد فيه وجهات نظر العسكريين الأمريكيين تجاه روسيا ونواياها، ففى شهادة أمام الكونجرس قال جنرالات أمريكيون: إن اعتبار البراءة الروسية فى فترة ما بعد الحرب الباردة قد انتهت، وأن تهديدها المحتمل للناتو وأصدقاء أمريكا فى أوروبا وأوراسيا قد تجدد.
وكما عبر الجنرال كرادوك، رئيس قوات حلف الناتو وقائد القوات الأمريكية فى أوروبا، أن الافتراض الأمريكى بأن روسيا بعد الحرب الباردة لم تعد تمثل تهديدا للحدود الأوروبية «قد انقلب رأسا على عقب» بعد غزو روسيا لجورجيا.
على أية حال، فإن ما أعربت عنه القوتان من رغبة فى بث الاستقرار فى علاقاتهما، وبشكل خاص حول قواهما النووية الإستراتيجية، إنما يذكر ببدايات السبعينيات وبناء سياسة الوفاق التى استهدفت إعادة ترتيب علاقاتهما ونقلها من مرحلة المواجهة إلى التعاون وحيث كانت قضية ضبط التسلح النووى والإستراتيجى فى جوهر هذه العملية.