البديل عن التدخل العسكرى فى ليبيا
محمد السماك
آخر تحديث:
الأحد 24 أبريل 2011 - 10:28 ص
بتوقيت القاهرة
عندما أخذ الرئيس الأمريكى باراك أوباما قراره بالتدخل العسكرى فى ليبيا ضد قوات الرئيس الليبى معمر القذافى.
كانت صورة التجربة الأمريكية ضد الرئيس العراقى السابق صدام حسين ماثلة أمامه بكل ثقلها وتبعاتها المستمرة حتى اليوم.
فقد ادت تلك التجربة الأمريكية فى العراق إلى مقتل أكثر من مليون عراقى وخمسة آلاف جندى أمريكى. كما انها أرهقت الخزانة الأمريكية وضاعفت من ديونها الخارجية، وأساءت الى سمعة الولايات المتحدة فى العالم.
من هنا ربط الرئيس أوباما موقفه من تردى الأوضاع فى ليبيا بموقف الامم المتحدة، وبقرار يصدر عن مجلس الأمن الدولى تحديدا.
وقد وفرت جامعة الدول العربية الغطاء المعنوى والأخلاقى لقرار المجلس بتجميد عضوية حكومة القذافى فى الجامعة وبدعوة الأمم المتحدة فرض حظر جوى على ليبيا لإنقاذ المدنيين مما يعانونه من تقتيل وتدمير.
وهو ما افتقر اليه التدخل الأمريكى فى العراق سواء لجهة عدم توفر المظلة العربية، أو الموافقة الدولية.
مع ذلك فإن الرأى العام الأمريكى لم يكن راضيا عن التدخل فى ليبيا، ليس لأنه كان يعارض قرار مجلس الأمن أو نداء جامعة الدول العربية، وليس لأنه لا يكترث لحياة المدنيين الليبيين، ولكن لأنه ما عاد يتحمل أعباء وتبعات فتح جبهات قتالية اضافية فى دول عربية أو إسلامية.
ومن هنا كان الموقف الأمريكى المبدئى مشجعا على التدخل العسكرى ومؤيدا له ولكن بواسطة قوى عسكرية غير أمريكية.
لم تكن الأوضاع العسكرية فى جبهات التقاتل الداخلى فى ليبيا بين الثوار وكتائب القذافى تسمح بانتظار معالجة هذه الإشكالات السياسية، فكانت المبادرة الأمريكية بتوجيه الضربات العسكرية الأولى والتى فجرت حملة اعتراض قوية ضد الرئيس أوباما داخل الكونجرس وخارجه.. مما اضطره الى التردد ومن ثم إلى الانكفاء..
وقد واجه الرئيس الأمريكى عقدة أخرى لا تقل صعوبة، تتعلق بمبدأ تسليح الثوار الليبيين. وهنا برزت تجربة مؤلمة أخرى لا تزال الولايات المتحدة تعانى من تبعاتها، وهى تجربة تسليح الثوار الأفغان ضد الاحتلال السوفييتى لأفغانستان فى الثمانينيات من القرن الماضى.
فقد دعمت الولايات المتحدة حركة المجاهدين الأفغان بالمال والسلاح وبالإعلام والدبلوماسية. وحوّلت باكستان الى معسكر تدريب لهم واستحدثت فيها مدارس دينية «تحرّض على الجهاد ضد الكفار». كما جعلت منها قاعدة خلفية لدعم المجاهدين.
كذلك حثت العديد من الدول العربية والاسلامية على المساهمة فى دعم الثوار بالمال والرجال، فانطلقت أفواج من المجاهدين العرب الى أفغانستان من الجزائر واليمن وليبيا والمغرب ومن الأردن ومصر وكذلك من دول مجلس التعاون الخليجى..
وكان أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى من أبرز قياداتهم، التى كانت تتمتع بغطاء أمريكى واسع.
ولكن بعد انسحاب الاتحاد السوفييتى من أفغانستان، ومن ثم سقوط النظام الشيوعى، تحوّل المجاهدون فى نظر الولايات المتحدة إلى إرهابيين.. مما دفعهم إلى ارتكاب الجريمة المروعة فى نيويورك فى 11 سبتمبر 2001.
فالسلاح الأمريكى للأفغان ولحلفائهم من المقاتلين العرب توجه الى صدور الأمريكيين.
ولذلك فان الولايات المتحدة ــ وكذلك دول حلف شمال الأطلسى ــ تخشى اليوم من أن يتحول سلاحها الى الثوار الليبيين إلى صدور الامريكيين والأوروبيين فيما بعد.
وبالنتيجة فإذا كانت تجربة التدخل المباشر فى العراق قد أدت الى نتائج كارثية على الولايات المتحدة وعلى العراق وعلى الوطن العربى كله، فان تجربة التدخل غير المباشر فى أفغانستان أدت إلى نتائج كارثية أيضا على الولايات المتحدة وعلى الاتحاد الأوروبى اللذين يغرقان اليوم فى مستنقع حرب لا تنتهى فى أفغانستان والباكستان..
وتنعكس هذه النتائج المأساوية على العالم الإسلامى كله وعلى علاقاته مع الغرب.
من هنا، وأمام توالى الفاجعة الإنسانية فى مدن ليبيا وقراها، كان لا بد من استعادة تجربة تدخل اخرى هى تجربة التدخل العسكرى ــ السياسى فى كوسوفو فى البلقان.
فبعد أن مارست الحكومة الصربية مجازر ضد الكوسوفار، ورفضت احترام حقهم فى تقرير المصير وضربت بقرارات الشرعية الدولية عرض الحائط، عمدت الولايات المتحدة بالاشتراك مع حلفائها فى حلف شمال الأطلسى، وتحت غطاء دولى ممثلا بقرار من مجلس الأمن، الى قصف صربيا وحتى الى قصف عاصمتها بلجراد.
وقد أدى القصف التدميرى الى إذعان صربيا واضطرارها الى الانسحاب من كوسوفو بالقوة، ومن ثم الى إعلان كوسوفو دولة مستقلة. صحيح أنه لا صربيا ولا الاتحاد الروسى اعترف بهذا الاستقلال حتى الآن، الا ان ذلك لا يغير من جوهر الأمر، وهو أن التدخل العسكرى المشترك أوقف المجزرة الانسانية، وفرض أمرا واقعا جديدا فى البلقان.
هذه التجربة اعتمدت الآن فى ليبيا أيضا، خاصة بعد أن ذهبت دول عربية الى المشاركة الفعلية فى العمليات العسكرية ضد وحدات القذافى.
وتعيد هذه المشاركة العربية الى الأذهان سابقة المشاركة العسكرية العربية فى تحرير الكويت من اجتياح الرئيس العراقى السابق صدام حسين لها.
لا يقلل ذلك كله من خطر ما بعد التدخل العسكرى فى ليبيا. فالتدخل شىء، وفرض الحظر الجوى شىء آخر.
لقد فرضت الولايات المتحدة حظرا جويا على عراق الرئيس السابق صدام حسين لسنوات طويلة قبل أن تشن الحرب عليه. ولكن الحظر لم يحل دون استمرار المأساة العراقية، فى شمال البلاد وفى جنوبها على حد سواء.
غير أن مناطق الحظر التى حددتها الولايات المتحدة فى ذلك الوقت تبدو الآن وكأنها تحدد مناطق التقسيم الذى يواجه العراق خطر الوقوع فيه: الشمال الكردى والجنوب الشيعى والوسط السنى. ويخشى أن يتجدد الأمر ذاته فى ليبيا التى كانت تتألف من ثلاثة أقاليم قبل أن يحتلها الإيطاليون فى عام 1916، وهى طرابلس وبرقة وفزّان.
وهى الأقاليم التى أعلنت فى عام 1951 مملكة موحدة بقيادة الملك ادريس السنوسى الـــــى أن قــــاد العقـــيد معمر القذافى الانقلاب العسكرى وأطاح بالملكية فى عام 1969.
لقد عرفت ليبيا قبل الأحداث التى تعصف بها اليوم حركات تمرد فى برقة فى عامى 1996 و2006 جرى قمعها بالقوة العسكرية. من هنا خطر انقسام الدولة مرة جديدة على النحو الذى عرفته صربيا بعد التدخل العسكرى الأمريكى المدعوم من حلف الأطلسى. فقد تحولت أقاليمها الثلاثة الى دول ثلاثة هى كوسوفو والجبل الأسود وما تبقى من صربيا.
من هنا خطر التدخل فى ليبيا. فالتدخل سيئ. ولكن الأسوأ منه التفرج على مذبحة المدنيين لمجرد معارضتهم لحاكم يمارس عليهم سلطة مطلقة.