فى الغربة الحميمة
أهداف سويف
آخر تحديث:
الأربعاء 25 أبريل 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
«نعم، أراها تجليات لظاهرة واحدة؛ فى مصر وسوريا واليمن واليونان، وكاليفورنيا، وغيرها: الشباب غير راضٍ عما وصل إليه العالم فى المائة عام الماضية. يرون اتساع الفجوة بين القادرين وغير القادرين، يرون انحسار العدالة، يرون الهدر فى الموارد الطبيعية، وعدم احترام الأرض والطبيعة والإنسان ــ ويرون فشل الديموقراطيات العريقة فى تخليق نظم ومجتمعات تمثل شعوبها حقا، وهم يبحثون عن نظم جديدة تدار بها المجتمعات؛ نظما تضع البشرية والحياة الآدمية الكريمة فى بؤرة توجهها».
كان هذا ردا على سؤال حول الثورات العربية وهل هى ظاهرة واحدة أو ظواهر متفرقة. والأسئلة فى معظمها مكررة، لكن حماسة الجمهور سواء فى مونتريال أو أوتاوا لا تُخطئ. والجمهور قسمان: الجمهور الأجنبى ـ أى من أهل البلاد الكنديين، والجمهور المصرى أو العربى الأصل. والكل منشغل بمصر وبثورتنا، وما يتهددها، وفرص نجاحها.
يحكى لى آباء وأمهات قضوا حياتهم فى الخارج أنهم يفاجأون بأبنائهم يتعلمون العربية ويخططون لـ«العودة» إلى مصر؛ قلوبهم معلقة بها، تَوَجُههم كله لخدمتها، وللمساهمة فى مشروعها الآتى. ثم هناك الشباب الذى يدرس فى الجامعات، أو يعمل فى المجالات المختلفة، والذى هو على اتصال وثيق ــ لا ليس «اتصالا وثيقا» بل هو جزء بالفعل من المشهد المصرى، يتواصل مع أقرانه فى مصر بالتغريد أو على الفيس بوك وينزل ليكون معهم كلما أمكنه ذلك.
يحكون كيف جاء فعل المصريين فى مونتريال فى يناير 2011 عاكسا لفعلهم فى الإسكندرية والسويس والقاهرة، فنزلوا فرادى باتجاه القنصلية المصرية، فالتقوا بعضا هناك وصنعوا «تحريرا» خاصا بهم. يحكون كيف كانوا يخرجون فى الجليد، بأطفالهم، رافعين العلم المصرى، فتبطئ السيارات وتحييهم بضرب الكلاكس. يحكى أحدهم كيف كان، إن حان موعد الصلاة، يتوقف أينما كان، ينتحى ركنا، ويصلى، وكيف أنه، بعد 25 يناير، وجد من المارة من يصطف إلى جانبه فيكون رفقة فى الصلاة.
يسألون دائما ما الذى يمكنهم أن يقدموه؟ كيف يساعدون البلد ومجهوده الثورى؟ سفيرنا فى كندا يخبرنى بمبادرة جميلة بدأ فى العمل عليها. لن أتحدث فيها الآن وهى فى طور التصميم لكنها، حين تتحقق، ستوفر العديد من أشكال وقنوات التعاون بين الداخل والخارج، وستكون نموذجا تحتذيه سفاراتنا المختلفة فى العالم، وستُساعد على تفعيل ذلك المورد الجبار الذى لمصر فى الخارج: نحو 8 ملايين مصرى، من أنشط الناس وأكثرهم فاعلية، يضعون كفاءاتهم، ومهاراتهم وطاقتهم فى خدمة مشروع مصر الجديد.
من بركات الثورة الآن أن أصبحنا نتعامل مع سفاراتنا فى الخارج على أنها سفاراتنا. فمهما تحدثنا عن ولاء الهيئات الدبلوماسية للدولة وليس لحكومة أو نظام حكم، كانت الأوضاع فى السابق تحتم أن يُحسب التعامل مع السفارة على أنه تعامل مع النظام. لم يعد الأمر كذلك.
أما الكنديون فيحكون كيف أن حكوماتهم اتخذت توجها أكثر يمينية، يتحدثون بقلق واستياء عن رئيس الوزراء وكيف أنه أسوأ من جورج دبليو بوش، وكيف يستهدف ــ فى ميزانيته ــ الفقراء والأقليات والمهمشين. لكنه انتُخب، وبأغلبية! يقولون: تنبهوا! الديموقراطية السياسية وحدها لا تكفى.
الدراسة فى أعرق جامعات كندا وأهمها: مجيل، متوقفة، فالطلاب مضربون، يتظاهرون معترضين على الزيادة فى رسوم التعليم. أساتذتهم يتعاطفون معهم، يلفتون أنظارنا إلى أن الطلبة، بموقفهم هذا، يضحون بعام من أعمارهم ــ عام دراسى دفعوا رسومه بالفعل، من أجل مبدأ ومن أجل من يأتون بعدهم. الكل يتهامس أن «بالأمس كان هناك بعض العنف» أسأل، ببراءة، من أين أتى العنف؟ فتأتينى الإجابة المتعجبة: من الشرطة طبعا! وتحمل الصفحة الرئيسية فى جريدة الصباح صورة شرطى، مُجَهَّز مُخَوَّذ، رافع العصا فوق رأس شاب جميل مجعد الشعر؛ تلك الصورة التى أصبحت ــ مع اختلاف الجنسيات ــ قاسما مشتركا فى مجتمعات يحاول شيوخها وأجهزتها الأمنية السيطرة على الشباب وتحجيم طموحهم وهزيمة مثاليتهم.
الشباب فى كل مكان، وبأشكال مختلفة، ثائر. ونحن ثورتنا ثورة للعالم، والعالم ــ الشاب ــ يرقبها ويتمنى لها الخير.