النفى القاسى
سامح فوزي
آخر تحديث:
الأربعاء 24 أبريل 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
فى أحيان كثيرة لا أفهم هل يتحدث الرئيس محمد مرسى عن الوضع القائم أم ما ينبغى أن يكون؟. فى حواره مع «الجزيرة» نفى أن يكون هناك تمييز ضد الأقباط، ضمن قضايا أخرى نفى وجودها رغم شواهدها الصارخة، وتحدث عن النسيج الوطنى، والعلاقات القوية بين المسلمين والأقباط. وهو حديث طيب يندرج تحت لافتة «ما يجب أن يكون»، التى عادة ما تتصدر أحاديث المثقفين والفلاسفة، ولكن السياسى يتحدث «عما هو قائم»، أى المشكلات والتعقيدات والحلول المقترحة. لم يعترف ــ فى الأساس ــ رئيس الجمهورية بوجود مشكلات تواجه المواطنين المصريين الأقباط، وبالتالى لا مجال للتفكير فى حلها، وأكثر من ذلك من يفكرون فى حلها يُعتبرون ضمن «دعاة التقسيم».
التمييز الذى يواجه الأقباط، متعدد الوجوه، لا داعى للخوض فيه، يعرفه القاصى والدانى من مشكلات تتعلق ببناء وترميم كنائس، والطعن فى العقيدة المسيحية، والجرائم المسماة بالطائفية التى تمضى بلا عقاب، ناهيك عن تصاعد مشاعر التعصب، وتراجع التسامح على المستوى الاجتماعى. لم يكن الرئيس محمد مرسى بحاجة إلى اللجوء لخطاب «النفى» لأنه تولى الحكم منذ شهور، وهذه المشكلات تراكمت على مدار عقود، وبالتالى حكمه ليس من أنشأها، وإن كانت تفاقمت فى الشهور الأخيرة، ولكن بالتأكيد من ضمن مسئولياته أن يتصدى بحلها، أو على الأقل اتخاذ خطوات جادة على طريق الحل.
التجربة تشير إلى أن نفى وجود مشكلات لن يؤدى إلى حلها بل إلى تفاقمها. وإذا كان نظام مبارك قد تفنن فى إنكار وجود المشكلات، وإطلاق يد أجهزة الأمن فى الملف الدينى بحلوها ومرها، وقطع أوصال الحوار المجتمعى الحقيقى بين المسلمين والأقباط، فإن نظام مرسى ينبغى أن يكون مختلفا، لا ينكر وجود مشكلة بل يسعى إلى حلها، يتوجه إلى الحلول السياسية والقانونية فى المقام الأول، يشجع الحوار الوطنى الجاد حول العلاقات الإسلامية المسيحية بما يسمح بإزالة الصور الذهنية الخاطئة، والمشاعر السلبية، ويفتح آفاق التعاون بين المواطنين.
نحن لا نريد اختراع العجلة. حل أى مشكلة أيا كانت يبدأ بدراستها، ثم وضع البدائل الملائمة للتصدى لها، ثم اختيار أنسبها قانونيا وسياسيا وثقافيا. ماذا يمنع أن يصدر قانون لبناء وترميم الكنائس ينهى هذه المشكلة المزمنة؟ ما المانع أن نجد القانون يطبق على من يسىء إلى العقائد؟ ما المانع أن يتضمن التعليم والإعلام برامج خاصة لدعم ثقافة المواطنة، والعلاقات الإسلامية المسيحية؟ ما المانع أن ترعى وزارة الشئون الاجتماعية مبادرات تنموية تشارك فيها الجمعيات الأهلية تدعم التعاون، والتضامن، وتخلق شبكات آمان اجتماعى على المستوى المحلى؟
كل ما ذكرته ليس مكلفا ماليا، ولن تستدين بسببه حكومة الدكتور هشام قنديل، وسوف يعطى شعورا للناس بأن هناك جديدا يولد، ويجد الدكتور محمد مرسى ما يفخر به فى حواراته الإعلامية، بدلا من الركون لخطاب النفى.