حـوار مـع الوزيـر

أحمد يوسف أحمد
أحمد يوسف أحمد

آخر تحديث: الخميس 24 أبريل 2014 - 8:29 ص بتوقيت القاهرة

تفضل وزير الخارجية بدعوتى للقاء معه. سعدت بتلبية الدعوة للقاء ذلك الرجل ذى السمعة الدبلوماسية الناصعة طيلة السنوات التى قضاها فى هذه المهنة الرفيعة والتى كلف أثناءها بمهام بالغة الأهمية آخرها سفيرا لمصر فى الولايات المتحدة لمدة أطول من المعتاد إلى أن وصلت مسيرته المهنية إلى ذروتها المتوقعة بتوليه وزارة الخارجية المصرية. بدأ اللقاء بترحيب دافئ يتسق وما عرف عن الرجل من دماثة خلق. تطرق الوزير إلى موضوع اللقاء مباشرة وهو كيفية تفعيل دور مصر العربى وهو دور مهم لمصر وفى الوقت نفسه مطلوب عربيا بإلحاح واضح كما لمس فى تحركاته العربية العديدة لكن المعضلة أنه يشعر أن المردود مازال دون المستوى الذى ينشده ومن هنا الحاجة إلى تفعيل السياسة العربية لمصر. شعرت بالتفاؤل لأن الوزير المسئول لا يتحدث عن إنجازاته ولا عن طفرات حققها خلال هذه الإنجازات وإنما هو مهموم بتحقيق الأفضل، وكان هذا تحديدا هو مبعث تفاؤلى: الخروج من إسار «ليس فى الإمكان أبدع مما كان».

•••

دار حوارنا حول محورين رئيسيين، أولهما أن التفعيل المنشود لابد أن ينطلق من استخدام مصر لقوتها الناعمة فى تحركها العربى طالما أن وضعها الراهن لا يكشف عن قوة صلبة تمكنها من النجاح استنادا إلى عناصر هذه القوة، وفى هذا الإطار تمتلك مصر رصيدا بشريا هائلا فى كل التخصصات، ويمكن لأبنائها أن يقدموا المشورة النافعة أو التدريب الجيد أو الإنشاءات فى المشاريع الأساسية أو البعثات الطبية ليس على المستوى المدنى فحسب وإنما على المستوى العسكرى أيضا، ويمكن لمصر أن تقدم خدماتها فى هذا الصدد بالمجان أو بسعر التكلفة، وسوف يتطلب هذا تمويلا قد يكون كبيرا لكن الهدف يستحق. كذلك يمكن العودة إلى تفعيل سياسة تقديم المنح المجانية للدارسين العرب فى كل التخصصات وبالذات فى مجال الدراسات العليا خاصة وأن هذا العمل لا يكلف شيئا سوى خسارة الرسوم الدراسية التى كان ممكنا أن يدفعها هؤلاء الممنوحون، لكن نجاح هذه السياسة يمكن أن يأتى بأضعافهم الذين سيسمعون عن تعليم جيد فى مصر يستحق أن يدفعوا تكاليفه، ويمكن للقوات المسلحة أن تشارك فى هذا العمل بدورها وسوف يكون له المردود نفسه . ومن ناحية ثالثة يمكن لوزارة الخارجية أن تنظم مؤتمرا سنويا أو حتى نصف سنوى تدعى إليه كل العقول المتميزة من أبناء الأمة العربية وخبرائها البارزين لدراسة القضايا العربية الملحة وتقديم التحليلات والتوصيات بشأنها الأمر الذى يمكن أن تكون له جدوى فائقة فى عملية صنع القرار العربى لمصر، ناهيك عن أن هذا المؤتمر يمكن أن يمثل آلية فعالة لربط هؤلاء المثقفين والخبراء العرب بمصر. وأخيرا وليس آخرا فقد آن الأوان للإعلام المصرى الرسمى أن يستعيد مكانته فى الوطن العربى، وسوف يكون لهذه العودة عندما تتم مردود بالغ الإيجابية.

أما المحور الثانى للحوار، فقد تناول الحديث ضرورة اكتساب العلاقة بين وزارة الخارجية وبين الأساتذة الأكاديميين البارزين فى مصر وخبرائها ومثقفيها من الذين تتوافر لهم الرؤى الثاقبة طابعا مؤسسيا، ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال تكوين مجلس استشارى لا يتسم بكثرة عدد أعضائه حتى يكون النقاش فيه مثمرا، ويجتمع هذا المجلس بصفة دورية (كل شهر أو ثلاثة شهور) فيبحث القضايا الملحة فى الساحة العربية ويقدم تقريرا عن حواراته وبدائل السياسات التى يقترحها عقب كل اجتماع وللوزير أن يأخذ بأى من هذه البدائل أو يناقشها مع أعضاء المجلس أو بعضهم. كما أن الحالة العربية الراهنة تشى باحتمالات تغييرات قد تكون جذرية فى عدد من البلدان العربية تتطلب تكوين مجموعات عمل محدودة العدد (ثلاثة أو أربعة على أقصى تقدير) تعد تقارير عن مشاهد المستقبل وبدائل السياسات بالنسبة لهذا البلد أو ذاك أو هذه القضية أو تلك.

•••

حوصل الوزير نتائج الحوار فى نهاية اللقاء فأشار إلى أنه يجب أن يكون هناك توقع أن تثور صعوبات فى التمويل، وكذلك أن تكون هناك ممانعة أو عدم حماس من بعض الجهات المعنية تجاه التعاون فى تحقيق هذه الأفكار، وأكد مجددا على ضرورة وجود رؤية واضحة لما نريد تحقيقه من سياستنا العربية، واستفاض أخيرا فى بيان أهمية التفكير المستقبلى وضرب فى هذا الصدد مثالا من خبرته الذاتية عن محاضرة ألقاها فى ندوة عقدت فى اسطنبول قبل توليه الوزارة بسنوات عن الأمن وكيف لاحظ فى اليوم الأول للندوة أن المتحدثين بدوا وكأنهم أساتذة تاريخ، ولذلك ركز فى محاضرته (وكانت فى اليوم الثانى للندوة) على التفكير المستقبلى وضرورته وأهميته، وتذكر بشئ من الأسى أن الذين اتصلوا بعد انتهاء الندوة كانوا ممثلى ثلاث دول خليجية صغيرة دبر لهم من يقوم بتدريس الفكر المستقبلى فى معاهدهم الدبلوماسية ومراكزهم البحثية وتتكرر هذه التجربة الآن للسنة الثالثة على التوالى بنجاح لافت. وأشار إلى أن التفكير المستقبلى لدينا دون المستوى المطلوب، وإلى أنه لا هو ولا مساعدوه يمكن أن يكون لديهم الوقت اللازم للقيام بهذه المهمة نظرا لتسارع التطورات فى مجال السياسة الخارجية وبالذات العربية فى المرحلة الراهنة فى الوطن العربى، ولذلك عين مديرة جديدة لإدارة التخطيط السياسى فى الوزارة، وكان أول ما طلبه منها ألا تكون لها علاقة بالتطورات الجارية وألا تتصل بأى إدارة فى الوزارة إلا إذا كان هدف الاتصال هو الحصول على المعلومات.

غمرنى شعور بالتفاؤل عقب انتهاء اللقاء، فها نحن إزاء وزير يملك رؤية واضحة لما يريد أن يحققه وتقييما موضوعيا للواقع وانفتاحا على كل ما من شأنه المساعدة على استعادة مصر دورها ومكانتها فى الوطن العربى، وهى مهمة بالغة الصعوبة لكنها تستحق أن نسعى جاهدين بغض النظر عن العناء من أجل إنجازها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved