الله أعلم

عماد الغزالي
عماد الغزالي

آخر تحديث: الإثنين 24 مايو 2010 - 10:18 ص بتوقيت القاهرة

 فى خريفه الغاضب، تحدث هيكل عن الطريقة التى اختار بها عبدالناصر السادات لخلافته، فقال إن الرئيس دعاه «كما اعتاد أن يفعل معى دائما»، كى يجلس إلى جانبه فى الطائرة أثناء رحلة إلى المغرب لحضور مؤتمر القمة العربى فى الرباط عام 1969، ثم أخبره بأنه اختارالسادات ليكون نائبا له، فلما بدت الدهشة على وجه هيكل قال له عبدالناصر: إن الآخرين أخذوا فرصتهم ــ يقصد بعض من تولوا المنصب من أعضاء مجلس قيادة الثورة ــ وقد جاء الدور الآن على السادات كى نجرّبه!

ويكمل هيكل: إن الرئيس كان يعلم بوجود مؤامرة على حياته فى المغرب، فإذا قدّر للمؤامرة أن تنجح، يكون قد ترك من يكمل المسيرة، أما إذا لم تنجح، فإن هذا الاختيار سيكون مؤقتا، فقد كان تاريخ السادات ــ بحسب وصف هيكل فى الكتاب ــ ينطوى على الكثير مما لايشرف، فقد كان مبهورا بالأمريكان، وعميلا للحرس الحديدى، وهو ذراع الملك لتصفية خصومه من الوطنيين، وهو ما يعرفه عبدالناصر وزملاؤه، ولم يكن من اللائق أن يتولى زمام الأمور فى بلد كمصر رئيس جاسوس وخائن!

فما الذى جرى بعد ذلك؟
أنقذت العناية الإلهية الرئيس، وعاد إلى بلده سالما غانما، لكن اختياره المؤقت صار دائما، وحكم السادات مصرحتى اغتياله، أما كيف فات على عبدالناصر أن يعزل السادات بعد عودته ناجيا، فيجيب هيكل بأن الرئيس فى زحمة انشغاله بقضايا التحرير فى العالم الثالث ومؤامرات الدول الكبرى وقضايا التنمية فى مصر، نسى أن يقيله!، وهكذا صار السادات رئيسا بالمصادفة، وقدّر لمن اختاره عبدالناصر على سبيل التجربة، أن يخوض حربا ويعقد سلاما، ويسير فى اتجاه معاكس تماما لاختيارات سلفه، فى الداخل والخارج.

هل تدهشك هذه القصة، هل تشعر فيها ببعض الارتباك، هل تتساءل عما إذا كان ممكنا أن يختار رئيسا من يخلفه بهذه الطريقة، هل تشعر بالإهانة نوعا ما؟
لن أحيلك إلى كتاب الراحل فؤاد زكريا «كم عمر الغضب»، لكننى سأردد معك ما نقرأه أحيانا على عربات الميكروباص «لا تتعجب إنها إرادة الله»، أوسأجيبك بما قاله الرئيس مبارك حين سأله مندوب الصحيفة الإيطالية عمن يخلفه: الله أعلم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved