خطورة القطاع المالى

حازم الببلاوي
حازم الببلاوي

آخر تحديث: الثلاثاء 24 مايو 2011 - 5:59 م بتوقيت القاهرة

 يلعب القطاع المالى دورا مهما فى الحياة الاقتصادية. وقد كان نمو وتطور هذا القطاع من أهم العوامل التى ساعدت على التقدم الاقتصادى الحديث. فإذا كانت «الثورة الصناعية» وما ارتبط بها من تطورات تكنولوجية هائلة هى القوة الدافعة للطفرة الهائلة فى الإنتاج، فقد كانت «الثورة المالية» وما أدت إليه من تطوير أدوات مالية متنوعة ثم مؤسسات مالية جديدة أحد أهم أسباب انتشار وتوسع نتائج الثورة الصناعية والتكنولوجية.

وجاءت الأزمة المالية الأخيرة ــ 2008 ــ فأكدت أن هناك حاجة إلى المزيد من الانضباط المالى بفرض القيود على القطاع المالى وإخضاعه للرقابة والإشراف حماية لاستقرار النشاط الاقتصادى. فقد أظهرت هذه الأزمة ــ ومن قبلها أزمة الثلاثينيات ــ أن انهيار القطاع المالى أو الخلل فى نشاطه يعرض الاقتصاد القومى لاضطرابات شديدة. ومن هنا كان تدخل الحكومات لإنقاذ هذا القطاع أمرا ضروريا لحماية الاقتصاد القومى.

والسؤال هو: لماذا الحاجة إلى الرقابة والإشراف على القطاع المالى بالذات؟ وهل يتعارض هذا مع منطق «اقتصاد السوق»، أم أنه نتيجة حتمية لمسئولية الدولة عن حماية السوق نفسها والمتعاملين فيها وبالتالى الاقتصاد القومى.


تعريف القطاع المالى

عندما نتحدث عن القطاع المالى فإننا نتحدث عن ثلاثة عناصر، هى على التوالى: الأدوات المالية (أو الأصول المالية) ثم المؤسسات المالية، وأخيرا القواعد والنظم التى تحكم هذه الأدوات وتلك المؤسسات. ويتضح من هذا السرد أن مفهوم القطاع المالى، يدور فى جوهره حول مفهوم «الأصول المالية»، والتى تأخذ أشكالا متعددة يطلق عليها الأدوات المالية، ويقوم بالتعامل فيها عدد من المؤسسات مثل البنوك وشركات التأمين والبورصة والسماسرة وصناديق الاستثمار وشركات الخدمات المالية مثل المحاسبة أو تقييم الجدارة الائتمانية، وهكذا. وهذه كلها تخضع لقواعد وضوابط تحكمها. وهكذا فإن مفهوم القطاع المالى يدور حول «الأصول المالية» وأشكالها ومن يتعامل فيها وما تخضع له من قيود وضوابط.

ولذلك، فإن نقطة البدء لفهم القطاع المالى هى ضرورة التمييز بين «الأصول المالية» من ناحية، وبين السلع والخدمات والتى يطلق عليها أحيانا «الأصول العينية» من ناحية أخرى. أما السلع فأمرها سهل، فهى كل ما يشبع الحاجات الإنسانية بشكل مباشر (السلع الاستهلاكية ـConsumer goods ) أو بشكل غير مباشر (السلع الرأسمالية Capital goods). ويقوم بتوفير هذه السلع القطاع الإنتاجى (من مزارعين وصناع وتجار، وهكذا). ويقوم المنتج بإنتاج سلعته من أجل المستخدم النهائى (المستهلك أو المستثمر)، وهو ما يتم من خلال السوق. وهكذا، فالسلعة تخرج من المنتج إلى السوق لكى تستقر لدى المستخدم النهائى، وعبورها بالسوق هو مجرد مرحلة وسيطة بين المنتج والمستخدم النهائى للسلعة.

وليس الأمر كذلك مع «الأصول المالية»، فما هى هذه الأصول المالية إذن؟ إنها ليست سلعا، فهى لا تشبع أى حاجة إنسانية، وإنما هى فى الحقيقة وسيلة لانتقال الحقوق بين الأفراد. وأول وأهم شكل للأصول المالية هو النقود. والنقود ليست سلعة رغم أنها بدأت تاريخيا فى شكل سلعة، ولكنها لا تستخدم لإشباع الحاجات كباقى السلع، وإنما للاستخدام فى المستقبل. فما هى النقود؟ النقود هى، فى جوهرها، حق يمكن استخدامه، فى المستقبل، للحصول على أية سلعة معروضة فى السوق. فالبائع يبيع سلعته، ليس مقابل سلعة أخرى كما فى حالة «المقايضة»، وإنما مقابل «النقود» التى يمكن مبادلتها فى المستقبل مع أية سلعة فى السوق. وعلى ذلك، فالنقود هى حق على الاقتصاد القومى يعطى حاملها الحق فى تحويل هذا الحق إلى أى سلعة من بائع آخر. ولكن لماذا يقبل هذا البائع الأخير التنازل عن سلعته مقابل النقود؟ السبب هو أن هذه النقود قابلة للتداول، أى تتمتع بنوع من «القبول العام». فكل بائع يقبل التنازل عن بضاعته مقابل النقود لأنه يدرك أن غيره سوف يكون على استعداد للتنازل هو الآخر عن بضاعته مقابل هذه النقود. وهكذا فإن الخاصية الأساسية للنقود هى أنها حق مستقبل على السلع، وأن هذا الحق يستند إلى «القبول العام» لها فى المعاملات. ويترتب على ذلك أن تظل النقود دائما فى السوق ولا تخرج منها، وإن كانت تنتقل من يد إلى أخرى.

ولكن لم تقتصر الأصول المالية على النقود فظهرت الأسهم والسندات والأذون والأوراق التجارية ثم ظهرت أشكال جديدة للضمان أو الخيارات أو البيوع المستقبلة. كذلك ظهرت أخيرا أنواع معقدة من الأوراق المالية المهجنة أو المركبة التى تتضمن عناصر مختلفة من تلك الأصول المالية أو المشتقة منها. ويجمع بين الأصول جميعا أنها ليست سلعا تشبع أية حاجة إنسانية بشكل مباشر (استهلاكية) أو غير مباشر (سلع إنتاجية)، وإنما هى مجرد حقوق على الغير تستحق فى المستقبل. والخاصية الأساسية لها هى أنها تتمتع كذلك بدرجة من القابلية للتداول، وهى موجودة دائما فى الأسواق تنتقل من يد إلى أخرى إلى أن يحين وقت سدادها النهائى فتنتهى حياتها. ونظرا لأنها فى جوهرها، وعد بأن تتحول، فى المستقبل، إلى نقود وبالتالى إلى سلع، ولذلك فإن قيمتها تتوقف على رؤية السوق لهذه القيمة فى المستقبل. فقيمة الأصول المالية تنطوى على رؤية للمستقبل.

وهكذا يتضح أن هناك فارقا أساسيا بين «أسواق السلع» من ناحية، وبين «الأسواق المالية» من ناحية أخرى. فأسواق السلع تتعامل مع الإنتاج منذ بدء العملية الإنتاجية حتى تستقر السلعة فى شكلها الأخير لدى المستخدم النهائى (مستهلكا كان أو مستثمرا). وبذلك تمثل السوق مرحلة عابرة فى حياة السلعة قبل أن تستقر نهائيا لدى المستخدم النهائي. أما «الأسواق المالية» فإنها لا تتعامل مع الإنتاج، وإنما مع «الأصول المالية»، حيث تتداول طوال حياتها فى هذه الأسواق المالية ولا تخرج منها. ولذلك فإنه على حين أن تبادل السلع هو جزء من «نظرية الإنتاج» فإن التعامل مع «الأصول المالية» هو جزء من «نظرية الثروة».

والسؤال، إذا كانت أسواق السلع هى التى تتعامل مع ما يشبع حاجات الناس من السلع الاستهلاكية أو الرأسمالية، فما حاجتنا إلى «الأسواق المالية»، ولماذا القطاع المالى؟ وما هى وظيفة هذا القطاع بالضبط؟


وظائف القطاع المالى


الحقيقة أن وجود القطاع المالى وتطوره أمر لازم لنجاح وتقدم أسواق السلع وبالتالى القطاع الإنتاجى، كيف؟ لمعرفة ذلك علينا أن نتناول وظيفة هذا القطاع.

لعل الوظيفة الأولى والبدائية للقطاع المالى هى تسهيل المبادلات وتنشيط الأسواق. ولسنا فى حاجة إلى التذكير بمقولة آدم سميث بأن أساس تقدم الأمم هو «التخصص وتقسيم العمل». ولكن «التخصص وتقسيم العمل» يفترض قيام المبادلات بين أفراد يتخصصون فى إنتاج سلع مختلفة ومتنوعة، وبالتالى لابد أن تظهر الحاجة إلى المبادلات. ومن الواضح أن المقايضة ليست الوسيلة المثلى للمبادلات، ولذلك كان لابد للبشرية أن تكتشف مع الوقت ظهور مفهوم النقود. والنقود ــ كما أسلفنا ــ ليست مجرد سلعة وإنما هى وسيط للتبادل ومقياس للقيم. وجاء ظهور النقود ميسرا لتوسع المبادلات وقيام الأسواق. وهكذا، كان ظهور النقود هو أول مظهر للأصول المالية. وكانت النقود فى بدايتها تختار من سلع تتمتع بنوع من القبول بشكل أو آخر مثل القواقع أو الماشية أو الذهب. وأخيرا، وصلت البشرية إلى النقود الورقية التى تصدرها السلطات النقدية (عادة البنك المركزى). وبعد ذلك توسع الأمر حيث أصبحت تصدر النقود من مؤسسات مصرفية أخرى من البنوك التجارية التى تجمع ودائع ومدخرات الأفراد مع ظهور ما يعرف «بنقود الودائع». وهكذا أصبحت السلطات النقدية والقطاع المصرفى أحد أهم عناصر القطاع المالى، وأصبح الإصدار النقدى أحد أهم عناصر الاستقرار النقدى والمالى.

وتأتى الوظيفة الثانية للقطاع المالى بالقيام بالوساطة بين جمهور المدخرين وجمهور المستثمرين. ونبدأ بالإشارة إلى أن مجرد ظهور النقود قد ساعد على زيادة قدرة الأفراد على الادخار نظرا لصعوبة الادخار السلعى فى ظل اقتصاد طبيعى غير نقدى. ولكن إمكانيات الادخار تضاعفت مع ظهور أدوات جديدة توفر للمدخر عوائد مثل الأسهم والسندات وغيرها من الأدوات المالية. وبذلك لم يسهل وجود القطاع المالى على زيادة المدخرات فقط بل إنه ساعد على تجميعها لمصلحة المستثمرين. وهكذا، تبلورت الوظيفة الرئيسية لهذا القطاع فى الوساطة بين المدخرين والمستثمرين. ولا يقتصر الأمر هنا على مجرد الوساطة بين الفريقين، بل تتم هذه الوساطة مع تقليل مخاطر عدم الدفع نتيجة للتعامل مع أعداد كبيرة، فضلا عن قدرة النظام المالى على زيادة أجل الوساطة ومدد القروض. وبذلك فإن دور القطاع المالى فى الوساطة قد ساعد على زيادة حجم المدخرات وتقليل المخاطر التى تتعرض لها.

ويرتبط بما تقدم ظهور مؤسسات متخصصة فى التأمين على مخاطر المستقبل نتيجة لتوزيع هذه المخاطر على عدد كبير من المتعاملين على نحو ما تقوم به شركات التأمين.

وأخيرا، ظهرت وظيفة جديدة ومهمة للقطاع المالى وهى تسهيل المدفوعات عن طريق المقاصة والتسوية بين المؤسسات المالية. ففى العصر الحديث لم تعد المدفوعات تتم نقدا، بالتسليم النقدى بين المتعاقدين، بل إنها أصحبت تتم غالبا عن طريق الشيكات المصرفية أو بطاقات الائتمان أو التحويلات المصرفية برقيا أو إلكترونيا أو حتى عبر شبكات الإنترنت. وجاء التعامل فى الأسواق المالية مما أدى إلى تدفقات كبيرة للأموال. وهكذا تتجمع أحجام هائلة لهذه المدفوعات المتقابلة والتى تتقاطع وتنتهى عادة لدى المصارف حيث تسوى لديها المراكز النهائية للمتعاملين. وهى عملية معقدة ومتداخلة وتتطلب السرعة والدقة. ومن الواضح أن أى خلل فى هذه العملية يمكن أن يسبب ارتباكا شديدا فى المعاملات أو حتى خسائر فادحة.


القطاع المالى يوفر سلعة عامة للمجتمع


من الواضح أن الوظائف المتقدمة للقطاع المالى تتعلق بمصلحة الاقتصاد القومى فى مجموعه، ولا تقتصر على أطراف هذه المعاملات المالية. فسواء تحدثنا عن تسهيل المبادلات وبالتالى توسيع الأسواق، أو عن زيادة إمكانيات الادخار القومى أو تشجيع الاستثمار، أو التقليل من المخاطر التى يتعرض المتعاملون فى الاقتصاد، أو تسوية المدفوعات بين الأفراد داخل الاقتصاد القومى أو فى علاقاته مع الدول الأجنبية، كل هذه الأمور هى أقرب إلى تحقيق «المصلحة العامة» منها إلى مجرد حماية مصالح المتعاملين فيها مباشرة. ولذلك يمكن القول بأن القطاع المالى لا يتعامل فقط مع «المصالح الخاصة» للمتعاملين مباشرة فيه، بل إنه يتناول أحد أهم مقومات النشاط الاقتصادى. فالقطاع المالى لا يحقق فقط «المصالح الخاصة» للأفراد المشتركين مباشرة فى هذه العمليات، ولكنه يحمى فى نفس الوقت «المصلحة العامة» بضمان استقرار الاقتصاد وتقدمه. فما يوفره القطاع المالى للاقتصاد القومى هو أشبه «بالسلعة العامة» على نحو لا يختلف كثيرا عن توفير «السلع العامة» الأخرى فى الأمن والدفاع والعدالة. ولكل ذلك فإن الدولة لا تملك أن تترك هذا القطاع الاستراتيجى دون رقابة وإشراف حازمين بالنظر إلى الدور الخطير الذى يقوم به.


حماية المتعاملين حسنى النية


وحين تتدخل الدولة بالرقابة والإشراف على القطاع المالى فإنها لا تفعل ذلك فقط نتيجة ما يقدمه هذا القطاع من «سلع عامة» للاقتصاد القومى فى مجموعه، ولكن هذا القطاع فى ممارسته لنشاطه ينطوى على مخاطر أخرى على المتعاملين حسنى النية. ولذلك فإن مسئولية الدولة تمتد إلى ضرورة حماية هؤلاء المتعاملين حسنى النية فى هذه الأسواق من المخاطر التى يتعرضون لها نتيجة أفعال المسئولين عن إدارة القطاع المالى. فقد أثبتت التجارب، وخاصة خلال الأزمة المالية العالمية الأخيرة، أن نشاط القطاع المالى بطبيعته يتضمن مخاطر تلحق الآخرين حسنى النية نتيجة انحرافات أو أخطاء أو جشع القائمين على إدارة هذا القطاع. ولذلك فإن على الدولة أن تتدخل لحمايتهم نتيجة انحرافات أو تهور القائمين على إدارة القطاع المالى. ويظهر ذلك، بوجه خاص، فى مجالين، الأول ما يعرف بالمخاطر النظامية Systemic Risks، والثانى هو ما يعرف بتوزيع المعلومات غير المتوازن Asymmetric Information. وفى الحالتين فإن المواطن حسن النية قد يجد أن أمواله تتبخر رغم عدم قيامه بأى عمل غير مسئول باستثناء أنه وثق فى النظام المالى القائم، ومن حقه أن يتوقع أن تقوم الدولة بحمايته من مثل هذه المخاطر.

فأما عن «المخاطر النظامية» للقطاع المالى، فالمقصود بها هو أن ما يصيب إحدى المؤسسات المالية الكبرى من خسائر ما يلبث أن ينتقل ويعم معظم المؤسسات المالية الأخرى. فإذا كان الاقتصاد المعاصر يتميز بالتداخل والارتباط الشديد بين مختلف الوحدات الاقتصادية المختلفة، فإن هذا التداخل والترابط يظهر بشكل متزايد فى القطاع المالى. فمجرد انهيار مؤسسة مالية (مثل ليمان برزرس Lehman Brothers) أدى إلى انهيارات متتالية للعديد من المؤسسات المالية والأفراد حسنى النية. فما يصيب مؤسسة مالية من خسائر نتيجة لسوء إدارة أو سوء حظ، فإنه ما يلبث أن يؤثر فى العديد من المؤسسات المالية الأخرى دون أى خطأ من جانبهم لمجرد التداخل الشديد فى علاقات المؤسسات المالية ببعضها. ومن هنا فإن على الدولة أن تتدخل لحماية هؤلاء المؤسسات والأفراد الأبرياء الذين يتعرضون لمخاطر لا شأن لهم بها لمجرد إفلاس أو تعسر إحدى المؤسسات المالية المهمة. فالمخاطر التى تلحق مثل هذه المؤسسات هى «مخاطر نظامية» لا تقتصر على المؤسسة المعنية بل تهدد النظام المالى فى مجموعه. وهذا يفرض، بالضرورة، مسئولية على الدولة.

كذلك فإنه نتيجة لما لحق بالأسواق المالية من تطور وتعقيد أصبح من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن يعرف المواطن العادى تفاصيل وخصائص الأصول المالية المتداولة وحجم العلاقات المتداخلة بين مختلف المؤسسات المالية وأشكال المخاطر التى يمكن أن يتعرض لها. لذلك يلجأ معظم المستثمرين من الأفراد وأيضا من المشروعات الإنتاجية إلى المؤسسات المالية المتخصصة لإدارة أموالهم واستثمارها، نظرا لما يتمتعون به من خبرة ومعلومات. فالعلاقة بينهما، شبه بالعلاقة بين «الوكيل والأصيل».

والمقصود بعدم توازن توزيع المعلومات هو أن القائمين على إدارة هذه المؤسسات المالية من المديرين التنفيذيين أو السماسرة أو مديرى الصناديق الرأسمالية يديرون فى الغالب أموال الغير من المودعين أو المستثمرين. وهم بذلك يعملون باعتبارهم «وكلاء» عنهم، وإن كانوا يعملون فى الحقيقة لمصالحهم المباشرة. فقد كان المفروض أن يعمل هؤلاء لصالح عملائهم، ولكن التجربة أوضحت أنهم يعملون غالبا لمصالحهم الذاتية وعلى حساب العملاء. ومن هنا شاهدنا خلال الأزمة المالية العالمية أنه فى الوقت الذى تعرضت مصالح الغالبية من المستثمرين للخسائر، فإن كبار المديرين والعاملين فى المؤسسات المالية حصلوا على أكبر الدخول فى نفس الوقت الذى ضاعت فيه ثروات المستثمرين من الأفراد والشركات. وربما يكفى أن نتذكر أن الرئيس التنفيذى لشركة ليمان برزرس، والتى أطلقت شرارة الأزمة المالية، كان قد حصل شخصيا على مرتبات ومكافآت وحوافز فى سنة الأزمة قدرها 122 مليون دولار، كما حصل فى الخمس سنوات السابقة على 375 مليون دولار. كذلك بلغت أرباح البنوك فى انجلترا وأمريكا فى عام 2007 ما يمثل 40% من مجموع أرباح الشركات، وهذا بعد خصم مكافآت الإدارة فيها والتى تمثل 60% من إيرادات هذه البنوك. ففى سنوات الأزمة والتى تعرضت فيها ثروات الأفراد والمؤسسات للضياع والخسائر حقق المديرون والمسئولون عن الإدارة أعلى الدخول. فكأن هذه المؤسسات المالية لا تعمل من أجل الاقتصاد القومى أو لحساب أصحاب الأموال من المستثمرين، وإنما تعمل لحساب المسئولين عن الإدارة بها.


الرقابة والإشراف على القطاع المالى


لكل ما تقدم، فإن تدخل الدولة بشكل حاسم للمراقبة والإشراف على القطاع المالى ليس خروجا على اقتصاد السوق بل إنه حماية لهذا النظام، وذلك بالتأكيد على سلامة قيام هذا القطاع بدوره المطلوب فضلا عن أهمية تحقيق الاستقرار الاقتصادى والمالى وحماية مصالح الأفراد حسنى النية من المستثمرين ضد المخاطر الناجمة عن جشع القائمين على إدارة هذه المؤسسات.
وبذلك فإننا عندما نتحدث عن خطورة القطاع المالى، فإننا نقصد بذلك أمرين، أنه قطاع خطير وخطر فى نفس الوقت. فهذا القطاع يقوم بدور خطير ومهم ولا غنى عنه فى الاقتصاد القومى من ناحية، ولكن نشاط هذا القطاع لا يخلو من مخاطر على القطاعات الأخرى وعلى مصالح المتعاملين حسنى النية من ناحية أخرى. ومن أجل هذين الأمرين فإن قيام الدولة بالرقابة والإشراف على القطاع المالى أمر ضرورى. فالقطاع المالى أخطر من أن يترك بلا رقابة أو إشراف. والله أعلم.

www.hazembeblawi.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved