انفصام واشنطن والمسألة المصرية
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الجمعة 24 مايو 2013 - 8:55 ص
بتوقيت القاهرة
شهدت الأيام والأسابيع الماضية قيام عدد كبير من مسئولى أحزاب مصرية إسلامية وغير إسلامية بزيارات للعاصمة الأمريكية، وزار واشنطن أيضا عدد كبير من الصحفيين والنشطاء السياسيين لأسباب مختلفة منها حضور مؤتمرات أو تلبية لدعوة مراكز بحثية للتحدث أمامها. ويعود الضيف الزائر للقاهرة بعد قضائه عدة أيام فى واشنطن مفحما بحجم الاهتمام بالشأن المصرى.
من ثم يبدأ فى الحديث عما يظن أنه موقف أمريكى مختلف وجديد فيما يحدث بمصر الآن. وتخرج أغلب التحليلات التى تملأ بها وسائل الإعلام المصرية خالية من أى فهم موضوعى لطبيعة وديناميكيات التفاعل وتوازنات القوة بين مراكز صنع القرار فى العاصمة الأمريكية.
وتذهب هذه التحليلات بداية إلى الاعتقاد لدرجة اليقين بوجود دور أمريكى مشبوه ساعد فى وصول الدكتور محمد مرسى لسدة الحكم، ثم تنتقل هذه التحليلات للترويج لوجود أزمة كبيرة بين الإدارة الأمريكية من ناحية، وبين الرئيس محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين من ناحية أخرى. وذهب البعض مؤخرا للادعاء بوجود رسائل أمريكية للجيش المصرى بضرورة التدخل فى العملية السياسية ووضع حد لسيطرة فصيل واحد على الحياة السياسية المصرية.
إلا أن تفسير إطلاق هذه التحليلات يعود لعدم فهم زوار واشنطن لطبيعة المدينة الثنائية الحاكمة لها، وهو ما أطلق عليه ظاهرة «الانفصام الواشنطونى».
لا توجد واشنطن واحدة فيما يتعلق بالشأن المصرى، لكن تواجد واشنطن أخرى لا يعرفها ضيوف العاصمة من ممثلى نخب مصر السياسية. واشنطن الأولى هى «واشنطن السياسية» التى تجمع بين أروقتها مراكز الأبحاث المتعددة، ووسائل الإعلام الهامة، ووزارة الخارجية والكونجرس. أما واشنطن الأخرى والتى مازالت لها اليد العليا فى رسم السياسة الأمريكية تجاه مصر هى «واشنطن الإستراتيجية» والتى تضم وزارة الدفاع وأجهزة المخابرات.
وتضمنت زيارات الكثيرين من ضيوف واشنطن مقابلات روتينية مع بعض العاملين بوزارة الخارجية ومكتب الشرق الأوسط فى مجلس الأمن القومى بالبيت الأبيض. كذلك لا يرفض العاملون بالكونجرس، وهم بالآلاف، لقاء الزائرين المصريين طالما تعقد هذه الاجتماعات فى مكاتبهم، كى لا يضيعون أى وقت فى وسائل المواصلات.
كذلك يتقابل روتينيا ضيوف واشنطن مع ممثلى منظمات أمريكية تهتم بالشأن المصرى لأهداف مختلفة. وتتمحور هذه اللقاءات على مناقشة قضايا عملية البناء الديمقراطى فى مصر، والتقدم والانتكاسات التى تشهدها هذه الفترة الانتقالية. وهذا لا يختلف عما كان يحدث أثناء حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك أو فترة حكم المجلس العسكرى.
•••
الارتباك الأمريكى فيما يتعلق بالشأن المصرى مازال سيد الموقف حتى بعد مرور ما يقرب من عامين ونصف العام على بدء ثورة مصر، ومرور ما يقرب من العام على بدء حكم الرئيس مرسى. ولعبت، ومازالت، عدة عوامل دورا كبيرا فى تعميق هذا الارتباك، من أهمهما:
أولا: أن مصر الجديدة تشهد تزايد دور الرأى العام كمؤثر فى السياسات المصرية عقب نجاح ثورة 25 يناير، وهو الأمر الذى كان غائبا طوال الثلاثين عاما إبان حكم مبارك، وقد يدفع هذا حكام مصر الجدد إلى تبنى سياسيات تتقابل مع تطلعات غالبية المصريين، وهو ما قد لا يتفق مع التوجهات الأمريكية فى المنطقة. لذا خشيت واشنطن من أن يناصبها الشعب المصرى العداء إذا ما أعلنت أى موقف آخر.
ثانيا: تزايد نفوذ القوى الإسلامية المعتدلة والمحافظة من إخوان وسلفيين، ورغم أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الداخل المصرى فقط، وإنما تمتد لأغلب الدول العربية التى تشهد انتخابات حرة، إلا أن جماعة «الإخوان المسلمين» وتاريخها يضفى أهمية أكبر على الدور المصرى. ولقد «عقّد» عدم معرفة واشنطن الجيدة بهذه الجماعة ولا بالجماعات السلفية المحافظة، من ارتباك إدارة أوباما.
ثالثا: تأثير الموقف الأمريكى وسياساتها تجاه مصر على علاقاتها المهمة مع حلفاء واشنطن خاصة إسرائيل، والسعودية وبقية دول الخليج.
رابعا: مخاوف واشنطن من إقدام حكام مصر الجدد على التأسيس لدولة استبداد جديدة بأدوات ديمقراطية مثل الانتخابات والدستور والقوانين.
•••
يختار أغلب زوار واشنطن عدم التحدث عن تغيير هيكل العلاقات بين الدولتين الذى لم يتغير حتى بعد وصول الرئيس محمد مرسى للحكم، ويختارون أن يشخصوا علاقات واشنطن بمصر من خلال أسئلة ساذجة حول إذا ما غيرت الإدارة الأمريكية من دعمها لمرسى؟ وماذا سيفعلون مع جماعة الاخوان؟.
وفى الوقت الذى تدرك فيه واشنطن جيدا أن عدم إقدامها على قطع هذه المساعدات أثناء حكم الرئيس الأسبق مبارك أو أثناء حكم المجلس العسكرى، يستحيل معه عمليا الإقدام على هذه الخطوة مع نظام سياسى على رأسه أول رئيس منتخب بحرية فى التاريخ المصرى. إضافة لتفاخر مسئولى البنتاجون عن وجود قيادات الصف الأول فى الجيش المصرى «تلقت تعليما وتدريبا فى الولايات المتحدة نحن نعرفهم ونستطيع الحديث معهم»، يختار زوار واشنطن من ممثلى النحبة السياسية المصرية التركيز على الدور والنفوذ الأمريكى داخل مصر. ويتطلع البعض منهم لأن تقوم واشنطن نفسها أو أن تساهم بدور كبير فى تغيير التوازنات السياسية المصرية. وتعكس تلك التصورات توجهين صادمين، أولهما التقليل من دور وقوة ورغبة الشعب المصرى فيما جرى ويجرى منذ 25 يناير وحتى الآن، وثانيهما مبالغة كبيرة فى حدود الدور الأمريكى تعكس بدورها عدم فهم أهداف واشنطن ولا ديناميكيات صنع القرار فيما يتعلق بالشأن المصرى.
مستقبل حكم مصر ستقرره حوارى وشوارع مصر، وليس قاعات ودهاليز واشنطن.