التنظيم المفقود
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 24 مايو 2016 - 10:05 م
بتوقيت القاهرة
أثار حديث رئيس مجلس النواب بشأن عدم السماح للأعضاء بالحديث عن السياسة النقدية جدلا واسعا، ولاسيما أنه ارتبط بالإشارة إلى دورات تدريبية يشارك فيها النواب، ورغبة البعض فى إسقاط البرلمان، إلخ. امتد الجدل من وسائل الإعلام إلى مواقع التواصل الاجتماعى، وظهر بعض النواب الذين رفضوا هذا الحديث، غير مبالين بتهديد رئيس المجلس بتحويلهم إلى لجنة القيم.
لا أعرف تحديدا عما يتحدث رئيس المجلس، وما هى الدورات التدريبية التى يشارك فيها الأعضاء، ويجرى خلالها تزييف وعيهم ــ التعبير الشهير للماركسية ــ أو محاولات اسقاط البرلمان، فهذه جميعا اتهامات تحتاج إلى معلومات لا تتوافر لى، وبالتالى يصعب التعليق عليها، ولكن المسألة فى جوهرها دستورية وقانونية وسياسية، تتعلق فى المقام الأول بماهية البرلمان، ومهام العضو فيه.
عدم التعليق على السياسة المالية سواء فى البرلمان أو خارجه فى وسائل الإعلام يبدو غير منطقى، لأن البرلمان نشأ فى جوهره تعبيرا عن الرغبة فى مناقشة السياسة المالية، ونتذكر العبارة الشهيرة فى الخبرة الانجليزية «لا ضرائب دون تمثيل»، فضلا عن أهم أوجه رقابة البرلمان على أعمال الحكومة هى الميزانية العامة، والسياسات النقدية، وفرض الضرائب، وكل ما يتعلق بالإنفاق والجباية العامة. وبالتالى فالقضية ليست اختيارية أو مثار بحث، الوظيفة الرقابية للبرلمان لا تتحقق إلا بمناقشة المال العام، بكل مناحيه، هذه ملاحظة، أما الملاحظة الأخرى فهى تتصل بمسألة أساسية هى حرية البواح، فعضو البرلمان، المنتخب، هو الذى يمتلك صفة تمثيلية من الشعب مباشرة تمكنه من الحديث نيابة عنه، فى أى سياسة، يتحدث وينتقد، دون ملامة، لأن هذا دوره، وبالتالى لا يصح منعه أو فرض قيود على حركته. وفى الخبرة الديمقراطية يُعد البرلمان هو المؤسسة السياسية الرئيسية، لأنه منتخب، يشرع، ويراقب، لأنه يمارس صلاحيات نيابة عن الشعب فى مساءلة السلطة التنفيذية. أعتقد أن الحديث عما يجب ولا يجب أن يفعله عضو البرلمان مسألة تحكمها لائحة، وليست تنبيهات عامة توجه إليه.
واضح أن مشكلة «المجتمع المدنى» تنتقل من حيز لآخر، فقد أصبحت منظمات المجتمع المدنى، خاصة التى تعمل فى مجال التوعية السياسية وحقوق الإنسان والمرأة وما شابه، فى دائرة الشك والارتياب، والاتهام خاصة فيما يتعلق بالتحقيقات التى تجرى أو الاجراءات القضائية التى تتخذ، والآن تمتد الشكوك إلى عملها أو علاقاتها بأعضاء فى البرلمان.
مرة أخرى المسألة تحتاج إلى تنظيم ووضع ضوابط، والإجراءات القانونية، لأن العمل الأهلى جزء من الفعاليات فى المجال العام، والمسألة لا تتعلق بمشاركة أعضاء فى البرلمان فى أنشطة أهلية أو تدريبية أو ندوات عامة، بقدر ما تتعلق بأن تكون كل مؤسسات الدولة والمجتمع فى سياق واحد، أسوة بما يحدث فى أى مجتمع ديمقراطى. هذه هى إحدى المشكلات التى نواجهها، ويبدو أنها ستظل لفترة قادمة ما لم نقم بوضع ضوابط وقواعد عمل متفق عليها.