فى النمسا.. المجد للنساء!
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الثلاثاء 24 مايو 2016 - 10:05 م
بتوقيت القاهرة
جاءت النتيجة النهائية للجولة الثانية للانتخابات الرئاسية فى النمسا على النحو التالى: المرشح المستقل ألكسندر فان دير بيلين 50.3 بالمائة من الأصوات الصحيحة، مرشح الحزب النمساوى الحر نوربرت هوفر 49.7 بالمائة من الأصوات الصحيحة. بهذه النتيجة غير المتوقعة أصبح أستاذ الاقتصاد والمتحدث السابق لحزب الخضر النمساوى فان دير بيلين الرئيس الفيدرالى الجديد، وخسر السباق الرئاسى هوفر مرشح اليمين المتطرف الذى منحته استطلاعات الرأى السابقة على الانتخابات أفضلية واضحة بسبب رواج المقولات العنصرية والفاشية لليمين المتطرف فى النمسا كما فى غيرها من المجتمعات الأوروبية. فما الذى حدث؟
الذى حدث، أولا، هو أن أغلبية المواطنات النمساويات قررت منح صوتها الانتخابى لفان دير بيلين اقتناعا بدفاعه عن القيم الديمقراطية ومن بينها حق اللاجئين القادمين من مناطق الحروب والإرهاب والعنف فى الحصول على ملاذ آمن فى النمسا، ورفضا للخطاب الفاشى لهوفر الذى جعل من ترحيل اللاجئين البند الأساسى فى برنامجه الانتخابى.
الذى حدث، ثانيا، هو أن أغلبية المواطنات النمساويات وبنسبة تجاوزت ٦٠ بالمائة قررت الاحتفاظ برشادة اختياراتها فدعمت فان دير بيلين الذى قاوم الانسياق العام إلى تجاهل الالتزام الأخلاقى والإنسانى للأوروبيين لمساعدة اللاجئين، وواجه بكلمات قاطعة صعود اليمين المتطرف الذى تفرغ برامجه الانتخابية وسياساته المقترحة الديمقراطية الأوروبية من جوهرها ومضمونها. ٦٠ بالمائة من النساء فعلن ذلك، بينما أكثر من ٦٠ بالمائة من الرجال منحوا أصواتهم لهوفر إن عن اقتناع بخطابه العنصرى والغوغائى أو إعجابا بالهالة الذكورية «للسياسى القوى» التى أحاط بها نفسه وطرح من خلالها ترشحه فى الانتخابات (تماما كدونالد ترامب فى الموسم الحالى للانتخابات الرئاسية الأمريكية) أو تعبيرا عن الرغبة فى دفع النمسا بعيدا عن السياسات المفروضة عليها من قبل الاتحاد الأوروبى بشأن اللاجئين وفى الكثير من القضايا الأخرى (هنا تعويل على الأفكار الوطنية البدائية لليمين المتطرف وموقفه العدائى من المشروع الأوروبى).
الذى حدث، ثالثا، هو أن أغلبية المواطنات النمساويات ــ ومعهن قطاعات مؤثرة فى أوساط الناخبين الشباب وبين ناخبى المدن ــ قررت بوعى عدم الاستسلام للخوف الذى ينشره اليمين المتطرف بين الناس. صناعة الخوف من الغريب، الخوف من التنوع الثقافى والدينى، الخوف من الحاضر والمستقبل، الخوف على فرص الدراسة والعمل، الخوف على الحياة الآمنة هى بضاعة اليمين المتطرف الكبرى، وإليها يستند فى النمسا وفى غيرها من المجتمعات الأوروبية فى التغرير بالمواطن واجتذابه إلى المقولات العنصرية والفاشية وإلى الأفكار البدائية (ترحيل اللاجئين فى أوروبا، وطرد المهاجرين غير الشرعيين ومنع قدوم المسلمين فى الولايات المتحدة الأمريكية). غير أن صناعة الخوف عجزت عن التغرير بأغلبية النساء، بينما أسقطت فى هاويتها أغلبية الرجال ومعهم قطاعات مؤثرة من سكان المناطق الريفية ومن متقدمى العمر.
الذى حدث، إذا، هو أن أغلبية النساء بتمسكها بالقيم الديمقراطية وبوعيها ورشادة اختيارها أنقذت النمسا من كارثة وصول اليمين المتطرف إلى المقعد الرئاسى. نعم خسر هوفر بفارق يقل عن ١ بالمائة من الأصوات الصحيحة، ونعم يظل المقعد الرئاسى فى النمسا منصبا شرفيا محدود الصلاحيات. إلا أن فوز فان بيلين أوقف قطار الانتصارات الانتخابية المتتالية لليمين المتطرف فى عموم أوروبا، وأكد على إمكانية مواجهة المقولات العنصرية والفاشية وصناعة الخوف بتمسك صريح بالديمقراطية والقيم الأخلاقية والإنسانية وقبل ذلك بالاعتماد على النساء. فالمجد لهن.