الموقف الاستراتيجى الجديد: التراث الاستعمارى مجددا ومستقبل العرب خلفهم
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأربعاء 24 مايو 2017 - 9:40 م
بتوقيت القاهرة
كتب لبيب قمحاوى ــ المفكر والمحلل السياسى الأردنى ــ حول الموقف الاستراتيجى الجديد للدول العربية حيث بدأت اهتمامات العرب تتحول فى اتجاهات لم تكن مُتـَداولة على الإطلاق فعودة الأحلاف العسكرية والقواعد الأجنبية أصبحت مطلبا علنيا للعديد من الأنظمة العربية والاسلامية، وأصبح رضا الأجنبى على تلك المطالب غاية تلك الأنظمة ومنتهى ما تسعى إليه.
ذكر الكاتب أن زيارة ترامب الأخيرة جاءت بمثابة تتويج لمرحلة جديدة من التبعية العربية وتكريسا لسلام غامض يرغب به الجميع. لقد أصبحت عودة الاستعمار تحت أى غطاء مَـطـْلـبا عربيا يفوق فى أهميته حقيقة الصراع مع إسرائيل ومستلزمات ذلك الصراع. وانتقلت اسرائيل من كونها العدو الرئيسى للأمة العربية لتصبح الحليف المنشود والصديق الموثوق من قـِبَلْ العديد من الأنظمة العربية ناهيك عن الإسلامية. وأصبحت معاداة إسرائيل أمرا مرفوضا وعذرا تستعمله بعض الأنظمة العربية لتصنيف من يعادى اسرائيل بإعتبارهم إما دولا مارقة أو منظمات ارهابية معاداتها واجبة، وقتالها بالتعاون مع أمريكا والغرب فرضا يفوق فى أهميته أى أمر آخر. والإطار المطروح الآن لفعل ذلك هو التعاون العسكرى من خلال العودة إلى مفهوم الأحلاف العسكرية برعاية الولايات الأمريكية المتحدة وهى الدولة الأقوى فى العالم والتى ستهيمن بالضرورة على مقدرات تلك الأحلاف. وإذا كان العرب يتوقون، كما صرح بعض المسئوليـن العـرب، إلى أن يكون ذلك الحلف شبيها بحلف الناتو الذى تهيمن أمريكا من خلاله على حلفائها الأوروبيين، فماذا يتوقع العرب أن يكون دورهم فى ذلك الحلف سوى التمويل وتقديم الضحايا والانصياع لما هو مطلوب منهم. وفى واقع الأمر، فإن هذا الحلف قد يضم بالنتيجة اسرائيل باعتبارها أصبحت حليفا لمعظم الأنظمة العربية فى حربها المزعومة على الإرهاب. وهكذا فإن العالم العربى قد يصبح بالنتيجة فى حلف عسكرى مع إسرائيل يتقاسم معها الأسرار العسكرية والمهمات العسكرية والتسليح.
يتساءل الكاتب أيضا عن الذى يريده العرب من تلك الاحلاف العسكرية وماذا تريد أمريكا والغرب؟ من نافلة القول أن خطط ومصالح أمريكا فى العالمين العربى والإسلامى تتعارض بشكل أساسى مع دول وشعوب تلك المناطق. وهذا التعارض فى المصالح قد لا ينطبق على الأنظمة الحاكمة كون أولويات تلك الأنظمة تنحصر فى البقاء فى الحكم حتى لو كان ذلك على حساب استقلال ومصالح الدول التى يحكمون.
ولكن لماذا ترغب دولة مثل أمريكا بالدخول فى تحالف عسكرى على غرار حلف الناتو مع دول عربية وإسلامية؟
فى الحقيقة أن مصلحة أمريكا تتطلب إنشاء مثل ذلك الحلف من أجل اخضاع القوى والجيوش العسكرية والأمنية للدول الأعضاء فى الحلف للقيادة الأمريكية المباشرة وعلنا، كما يهدف إلى بناء القواعد العسكرية الأمريكية أينما أرادت أمريكا على أراضى الدول الأعضاء فى الحلف هذا إضافة إلى التطبيع العسكرى مع إسرائيل إما من خلال ادخال إسرائيل فى عضوية الحلف مباشرة أو من خلال اتفاقات التعاون العسكرى الأمريكية ــ الاسرائيلية. وهذا يعنى أن الدفاع عن أمن اسرائيل سوف يصبح من مسئوليات ذلك الحلف سواء مباشرة أو بطريق غير مباشر، واستعمال الجيوش والقوات العربية كحطب فى أى مواجهات عسكرية وكذلك استعمال مال النفط العربى لتمويل ذلك الحلف.
ويذكر الكاتب فى نهاية المقال أن هذا المسار سوف يؤدى حتما إلى دمار العالم العربى واندثار دُوَلـِه الواحدة تلو الأخرى. وما قد يتبقى منها سوف يدور فى فـَلَكْ قوى الاستعمار واسرائيل ككيان تابع وليس كدولة مستقلة ذات سيادة حقيقية. إن المسار الوحيد المفتوح الآن أمام دول العالم العربى بوضعها الحالى يتمثل إما بالانصياع الكامل أو الدمار الشامل كما حصل للعراق وسوريا وكلا الخيارين مـُر.