لا طريق مختصر للسعادة
نبيل الهادي
آخر تحديث:
الجمعة 24 مايو 2019 - 10:50 م
بتوقيت القاهرة
قبل محاضرة الأسبوع القادم يجب أن تشاهدوا فيلم وَيْل سميث (هل تعرفوه؟ سألت طلابي) اسم الفيلم "مطاردة السعادة" أيضا شاهدوا "طريق مختصر للسعادة" لأليك بولدوين والرائع انتونى هوبكنز ولا تنسوا قراءة "أرز بلبن لشخصين". كان هذا ما طلبته من طلبة السنة الأولى قبل أول محاضرة لى عن التصميم المعماري وطلبت منهم أن يحضر كل منهم نبتة فى إصيص بمقاس 10 سم. وكان أن تحولت قاعة المحاضرات فى الدور الثالث من المبنى في صباح يوم الإثنين إلى ما يشبه الحديقة الملئى بحوالى تسعين نباتا مختلفا ( ولو أحضر الباقون نباتاتهم لكان لدينا ما يتعدى المائة والخمسون).
كنت أحاول أن أشرح بصورة أولية للطالبات والطلبة عن العمارة والتصميم المعمارى وكيف أن في جوهره علاقة بين الإنسان وبيئته الطبيعية التي تسمح بخلق حيزات لا تلبى فقط ببساطة احتياجات الإنسان ولكنها تستهدف أساسًا تحسين حياته وتوفير شيئا من البهجة. وكيف أن هذه المهمة هي في صلب التحدي الذى يواجه المعمارى. وكنت أدعوهم(ن) لاعتماد مبادئ ثلاثة لإنجاز العمل المعمارى الذى هو فى جوهره فن (وإن كان تطبيقيا) وهى ثلاثية صوفية أولها المخيلة وثانيها الذوق وثالثها الصبر.
ولأن العلاقة المتصورة بين المعماري ومن يطلب خدمته والتي قد تكون في أغلبها فردية قد تنتهى بخدمة القادرين فقط على دفع مقابل عمله قد تصبح النتيجة هي صياغات فردية تمت لخدمة أغراض محددة. ولكن هل ونحن نقوم بذلك ننسى بقية الجماعة سواء المحيطة بشكل مباشر أو الجماعة التي ننتمى إليها بصفة أعم. وهل هناك معنى لهذا السعي الفردي أم أن وجود الجماعة شرط جوهرى. أثرت في مقولة المستشرق المرحوم جاك بيرك فى تأمله لصلاة الجماعة وكيف أنها تعنى بوضوح أن وجود الفرد في الجماعة وارتباطه بهم هو شرط جوهري للخلاص الفردي.
عندما ترى العامل الذى يشتغل على تحويل أفرع النخيل المجففة إلى أقفاص فى برج رشيد وهو قد تعدى الخمسين أو يزيد وترى أن من يساعده هى فتاة قد لا تتعدى العاشرة ويتكرر ذلك في هذا المجتمع البسيط. ثم تسمع عن غرق مركب المهاجرين المنطلق من نفس المكان فتتساءل هل ليس من حق هذا الكهل وتلك الفتاة مطاردة السعادة أيضا. وهل كان من حق من هاجر مطاردا لأحلام السعادة الحق فيما فعل حتى ولو دفع حياته ثمنا.
أربط ذلك بما تواجهه شمال الدلتا ورشيد وبرجها والذي هو جزء من التحديات الكبرى التي لا تواجهنا في مصر فقط ولكن تواجه البشر في كل مكان، وبالذات التغير المناخي أو بالأصح الكارثة المناخية العالمية. نتيجة لذلك أصبح بقاء ورفاه الفرد أيا كان مرتبط ببقاء ورفاه الجماعة من خلال العمل العاجل على الحفاظ على المؤل الطبيعي لنا والذي نستمد منه وجودنا وبهجتنا وسعادتنا الممكنة.
ثم ارجع للخلف قليلا واسأل كيف يمكن أن يساعد (في هذه الحالة) المعماري هؤلاء البشر في مطاردة حقهم من السعادة وهل طرح السؤال في سياق برج رشيد مثلا ينتج جوابا آخر غير ذلك الجواب التقليدي الذى نجيب به أنفسنا وطلابنا أم أن الإجابة بحاجة إلى مطاردة هي الأخرى. نحاول بالتساؤل المتتالى واستخدام أدوات التصميم أن نطارد الإجابات المحتملة عن إمكانية تحقيق السعادة للمجتمعات المحلية ببرج رشيد وتخبرنا المطاردات الأولى أن العمارة والتصميم المعمارى والعمراني الذى غالبا ما كان يساعد ويحتفل بأصحاب الثروة والسلطة يمكن أيضا في تحول قد يكون مثيرا للدهشة أن يكون سببا فى تحقق بعض من السعادة لساكنى هذا المكان.
لطالما أحببت ديوان تميم البرغوثى عن حب مصر ورأيته عبقريا، وكنت من عدة سنوات اصطحبه معي للجامعة واقرأ بعضا منه لطلابي. و كنت أرى فيه تجسيدا لما يقوله هيجل عن الفن الذى يحرك مشاعر الإنسان، ورأيته لا يحرك المشاعر فقط ولكنه يدفع للتساؤل والتفكير ولا يقدم إجابة مبسطة ومباشرة لسؤال قد يبدوا للوهلة الأولى واضحا وبسيطا.
لا أعرف على وجه الدقة أين هى الإجابة فى حالة برج رشيد وما شابهها ولكنى أعرف أن علي(نا) مطاردتها لأن السعادة قد تكون تحقيق مستوى مقبول من الحياة "المستورة" والتي لا شك أن الجميع يستحقها ولا شك أيضا أن القلة لن تستطيع أن تنجو بنفسها وهى تنسى الجماعة.
قد نطارد السعادة ليس فقط سعيا لحق في الحياة ولكن أيضا ربما هربا من ظلمات قد تطاردنا، أو كما اقترح أحد أصدقائي الأعزاء لإبقاء عقولنا متماسكة في مكانها.