وقف حرب غزة وما بعدها (2)
نبيل فهمي
آخر تحديث:
الإثنين 24 يونيو 2024 - 6:40 م
بتوقيت القاهرة
تناولت فى إسهامى الأخير على هذا الموقع توقعاتى لسيناريو وقف الحرب فى غزة وما يليها من تطورات، وترددت بعض الشىء حينذاك خشية أن تتطور وتحسم الأحداث ويتم التوصل إلى اتفاق قبل النشر، خاصة ومفاوضات وقف إطلاق النار والإفراج عن المختطفين والمحتجزين كانت قد انصبّت على اقتراح أعلنه الرئيس الأمريكى، مع التنويه بأن إسرائيل وافقت عليه، ومع هذا قررت النشر لقناعتى أن أى اتفاق يتم التوصل إليه سيكون مرحليًا وتكتيكيًا، وأن تباين المواقف بين إسرائيل وحماس أوسع مما يسمح باستقرار أى اتفاق والتزام أى طرف به.
وللأسف أصبت فى تقديراتى وتحليلى، ويرجع آسفى أن أى تأخير فى الاتفاق يصاحبه المزيد من الاقتتال والضحايا، أغلبهم من المدنيين والأبرياء الفلسطينيين الذين يتعرضون لأبشع وأشد الظروف الإنسانية.
ولقد تعثرت المفاوضات بالفعل، رغم صدور قرار مجلس الأمن رقم 2735 المؤيد للأفكار المطروحة بتأييد ١٤ عضوًا وامتناع روسيا، وهو القرار الذى استقبل بنغمة إيجابية من حماس، ومجموعة من الملاحظات والتعديلات المكملة للصياغة التى طرحها بيدن، وصمت رسمى من الحكومة الإسرائيلية، رغم أن مضمون الأفكار سبق الموافقة عليها أو المبادرة بها من حكومة الحرب الإسرائيلية ذاتها.
ومن أهم خلاصاتى المبدئية من متابعة الأيام الأخيرة هى أن هناك تشابهًا كبيرًا فى تكتيك إسرائيل وحماس، واختلافًا جوهريًا فى مواقفهم، وفقدان كامل الثقة بينهم، وقلقًا عامًا ومبررًا من المستقبل.
وكل من إسرائيل وحماس يسعيان لتجنب تحمل مسئولية رفض الاقتراحات والمساعى، بغية تحميل الطرف الآخر مسئولية ذلك، وهو مؤشر لحجم الضغوط الداخلية والإقليمية والدولية لوقف الحرب، التى أفقدت المجتمع الدولى أجمع الكثير من المصداقية بعد أن تجاوزت تسعة شهور، راح ضحاياه أكثر من أربعين ألف قتيل ومئات الآلاف من الجرحى، وخسائر لا تحسر أو تعوض دون حساب أو عقاب حتى الآن.
وأبرزت تصريحات واقتراحات الجانبين الإسرائيلى وحماس فى أعقاب بيان بايدن وقرار مجلس الأمن حجم الفجوة بينهم، حول النقاط الجوهرية فى المفاوضات، حيث تتمسك حماس بأن الهدف من مراحل المبادرة المختلفة يجب أن يكون وقف إطلاق النار بالكامل ورفع الضغط العسكرى الإسرائيلى ضمن أمور أخرى، لذا اقترحت إضافة نص واضح بأن المراحل الثلاث من المقترح مترابطة ومتشابكة، تجنبًا لاستئناف العمليات بعد انتهاء المرحلة الأولى، أو فى منتصف الطريق مع الإفراج عن العدد الأكبر من الرهائن، فى حين أعلن رئيس وزراء إسرائيل مرارًا أن الأفكار المقترحة لا تتضمن نصًا بوقف كامل ودائم لإطلاق النار، وأن إسرائيل ستواصل حربها ضد حماس فى جميع الأحوال.
ومن نقاط الاختلاف بين حماس وإسرائيل وخاصة الحكومة الحالية أن معيار تحقيق الانتصار لإسرائيل على الأقل فى البداية كان القضاء على حماس عسكريًا وسياسيًا، وهى أهداف صعب المنال، خاصة والعنف يولد تيارات سياسية فلسطينية أخرى تناضل ضد إسرائيل عسكريًا، فى حين أن النجاح بالنسبة لحماس عسكريًا وسياسيًا أمام الرأى العام، هو فى الصمود أمام الاجتياح الإسرائيلى العنيف، حتى فى ظل خسائر مدنية فلسطينية.
ومن مؤشرات غياب الثقة بين الأطراف فى التزام الأطراف بما يتفق عليه، حيث أكدت إسرائيل مرارًا أنها وحدها صاحبة القرار فيما يتعلق بالحرب، حتى إذا اضطرت الوقوف وحدها، بمعنى حتى إذا اختلفت مع صديقها الأمريكى، فى حين طالبت حماس بأن تضاف الصين وتركيا وروسيا إلى الدول الضامنة للاتفاق المقترح، لتوزيع وتدعيم مصداقية الضمانات لشكها فى جدية إسرائيل وانحياز الولايات المتحدة لها على حساب الحق الفلسطينى وإنسانيته.
وارتباطًا بكل هذه الملاحظات هناك قلق من وعدم ارتياح واضح لدى الجانبين الإسرائيلى وحماس بالنسبة للمستقبل، فكلاهما سيضطر لتغيير منهجه جوهريا ليكون له أى نصيب سياسى فى التركيبة السياسية الإسرائيلية أو الفلسطينية، بصرف النظر عن الحق أو الباطل أو المنتصر أو المهزوم، فبقدر نجاح حماس فى الصمود طويلًا وما شهدناه من إحياءً التركيز على حل الدولتين واعتراف عدد من الدول بدولة فلسطين، هناك ما يقابل ذلك الكثير من التشدد والرفض الدولى للتعامل مع حماس فى شكلها الحالى وحتى كتيار سياسى متشدد، وبقدر التأييد الذى تحظى به إسرائيل والدعم الأمنى والسياسى والعسكرى فى أعقاب أحداث 7/10، هناك تنامٍ واضح للامتعاض الدولى من إدارة رئيس وزراء إسرائيل للأحداث والشكل الحالى لحكومة إسرائيل، ويدفع البعض أن على إسرائيل إعادة طرح نفسها مرة أخرى، وبشكل أقرب إلى المنظومة الدولية الليبرالية إذا أرادت الاحتفاظ بالتأييد الدولى المجتمعى فى الأعوام المقبلة خاصة فى المجتمعات الدولية.
وأتمنى أن تصل المفاوضات الجارية إلى حلول فى المستقبل القريب، لاعتبارات إنسانية فى المقام الأول، وإنما لا أستطيع إخفاء استبعادى توقف القتال اواستقرار الأمور حتى إذا تم التوصل إلى اتفاق، وأرجح أن تتواصل المهاترات والاتهامات والمعارك دون التوصل إلى اتفاق أو حتى فى ظله، لأن إسرائيل فى حاجة إلى نجاحات ملموسة مثل قتل قيادات حماس الأساسيين أو واستعراض للعضلات عسكريًا فى ساحات تتميز فيها قدراتها العسكرية التكنولوجية المتطورة، بعد معارك دامية وغير حاسمة فى قطاع غزة، وهو ما يحمل فى طياته مخاطر انفراط الأمور والتصعيد العسكرى مع جيرانها العرب خاصة فى الساحة اللبنانية.
ولعلنا بدأنا بالفعل صيفًا ساخنًا عسكريًا يواكب ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوقة التى نشهدها منذ أسابيع، والله يكون فى عون الجميع فى أمن وأمان.