مصارعة الديكتاتورية وتجاوزها
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الأربعاء 24 يوليه 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
صارع المجتمع الألمانى الديكتاتورية النازية طويلا بعد هزيمتها العسكرية فى 1945، فتجاوزها سياسيا فى الخمسينيات وثقافيا مع نهاية الستينيات ومجتمعيا فى السبعينيات وإن لم ينجح فى القضاء الكامل على هوامشها التى مازالت تصدم الرأى العام الألمانى تارة بنجاحات انتخابية لأحزاب نازية فى بعض الولايات (خاصة فى شرق ألمانيا) وتارة بأعمال إجرامية ضد الأجانب وبتشكيلات فاشية وعسكرية تمارس العمل السرى والعنف.
ولا تختلف خبرات دول أخرى عانت فى القرن العشرين من صعود وحكم نظم ديكتاتورية ثم تحولت بصعوبة وتدريجيا إلى ترتيبات ديمقراطية، كإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وبعض جمهوريات أمريكا اللاتينية وبعض الدول الآسيوية ــ كثيرا عن ألمانيا.
وبالقطع ارتبطت صعوبة تجاوز الديكتاتورية بتغلغلها فى مؤسسات الدولة وسلطاتها العامة وكذلك فى قطاعات المجتمع الحيوية. النازيون فى ألمانيا والفاشيون فى إيطاليا وأنصار الجنرال فرانكفو فى إسبانيا والعسكريون فى أمريكا اللاتينية لم يحتكروا فقط السياسة والسلطة التنفيذية، بل سيطروا على المؤسسات الإدارية وبيروقراطيتها (من كبار إلى صغار الموظفين) والجيوش والأجهزة الأمنية. لم يقبضوا بيد من حديد على قطاعات المجتمع التعليمية والتربوية والإعلامية والثقافية فقط، بل أقاموا شبكة تحالفات مع القطاع الخاص المشارك فى النشاط الاقتصادى وسخروها لأغراض القمع وإطالة عمر الديكتاتورية فى الداخل وأحيانا لحروبهم التوسعية فى الخارج. والكثير من الدلالات المهمة فى هذا الصدد ترتبط بحكم النازية فى ألمانيا (1933ــ 1945) والتحالف غير المشروط الذى كان بين نخبتها وبين كبار الصناعيين الألمان (الصناعات الثقيلة والعسكرية والدوائية) والمصالح المالية والاقتصادية (البنوك وعائلات كبار المستثمرين) المؤثرة.
وتمكنت الديكتاتورية الحاكمة حين ارتبطت بتبنى صياغة أيديولوجية رسمية والترويج المنظم لها، كالنازية الألمانية بروافدها العنصرية والمعادية للسامية والفاشية العسكرية فى إسبانيا والبرتغال وأمريكا اللاتينية بروافدها المتمثلة فى وطنية متطرفة وعنصرية ضد قطاعات دينية أو مذهبية أو عرقية بعينها، من السيطرة على المخيلة الجماعية للمواطنات وللمواطنين ودفعت أغلبيات واضحة بينهم ولفترات ليست بالقصيرة إلى قبول بل وتأييد ممارسات قمعية وإجرامية بشعة. فعموم الشعب الألمانى وقف من مجازر النازية فى الداخل والخارج إما مؤيدا أو متفرجا، والكثير من السكان ذوى الأصول الأوروبية فى بعض جمهوريات أمريكا اللاتينية ساندوا جرائم إبادة جماعية ضد السكان الأصليين (الهنود) تورطت بها أجهزة عسكرية وأمنية. وإلى اليوم، مازالت هوامش وجيوب النازية فى ألمانيا والفاشية فى دول أخرى تؤثر على وعى بعض القطاعات المجتمعية وتفضيلاتهم الانتخابية والسياسية.
والحقيقة أن إدراك مضامين سيطرة الديكتاتورية على مؤسسات الدولة وقطاعات المجتمع وآليات بناء وعمل شبكات التحالف بينها وبين المصالح الإدارية والأمنية والاقتصادية والمالية من جهة، ومن جهة أخرى تحليل عمق تأثير الديكتاتورية على بنية وعى الشعوب وتوطين صياغات عنصرية وفاشية ووطنية متطرفة بين قطاعات مجتمعية متنوعة ربما كانت كأداوت فى العلم السياسى لا تقل أهمية لفهم طبائع الديكتاتورية وصعوبات تجاوزها وتحديات بناء الديمقراطية من تداول مفاهيم مجردة كالدولة القمعية والدولة الريعية والدولة العميقة وغيرها من المفاهيم الأساسية التى نتداولها اليوم.
مجرد محاولة للفهم!