سياسات الهجرة.. وبروز خطاب «الشعوب غير المرغوب فيها»
صحافة عربية
آخر تحديث:
الإثنين 24 يوليه 2023 - 7:50 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى، تقول فيه إن خطاب الهجرة فى تونس يقوم على الفصل بين هجرة التونسيين وهجرة الأفارقة، إذ الفئة الأولى تستحق التعاطف والدفاع عن حقها فى البقاء ببلدان الشمال، بينما الفئة الثانية فهى سبب مشاكل تونس من قلة موارد وأمراض.
الكاتبة رأت أن رد الفعل العنيف والعنصرى تجاه هجرة الأفارقة لتونس سببه فشل السياسات الثقافية والإعلامية والدينية فى خلق أجيال تؤمن بقضايا العدالة الاجتماعية والمساواة والكرامة... نعرض من المقال ما يلى. تتواتر التصريحات والتحليلات والتعليقات المسيسة والمؤدلجة حول مسألة التعاطى مع قضية الهجرة التى باتت تتخذ اتجاهين: اتجاه داخلى يحتل فيه «المهاجرون الأفارقة من جنوب الصحراء» المركز فتنسج حولهم قصص وروايات تسترجع «أساطير الأولين» والروايات الميثية التى تشيطن الأسود فيتحولون بذلك إلى «شماعة» تلقى عليها مشاكلنا من أمراض واعتداءات وجرائم ونقص فى الغذاء والدواء والهواء، واحتباس حرارى. أما الاتجاه الثانى فإنّه يعكس أوضاع المهاجرين التونسيين من «أبناء جلدتنا» الذين يستحقون التعاطف والمساندة لأنهم يتصورون على أساس أنّهم بيضان وفى قطيعة مع جذورهم الإفريقية وهم أفضل حالا لأنهم عرب/مسلمون ولذلك يتوجب علينا الدفاع عن حقهم فى البقاء فى بلدان الشمال والفصل بين هجرة التونسيين وغيرهم من الشعوب. ورغم الارتباط الوثيق بين الهجرة والعنصرية وكل أشكال التمييز فى الحالتين فإن أصحاب هذا التصور يلحون على نفى وجود أى تشابه بين فئات المهاجرين (المحليين/الوافدين)، بل إنّهم ينكرون وجود أى رصيد مشترك إنسانى. وبناء على هذا الفهم المحدود لا يستسيغ أغلب التونسيين تنظيم المسيرات احتجاجا على أشكال التعامل مع «المهاجرين الأفارقة»، ويتعمدون وصم الناشطين والمتعاطفين ويجترون خطابات الاتهام بالعمالة والخيانة و... ولكنّ ردود الفعل العنيفة ضدّ من يدافعون عن الطرح الإنسانى الحقوقى لا تفسّر إلاّ فى ضوء استقراء الواقع المعقد الذى يجعل المرء غير قادر على التعمق فى تحليل الظواهر والتأنى فى أخذ القرارات. فنحن اليوم فى مواجهة مع تاريخ بناء الدولة الوطنية والأسس التى انبنت عليها السياسات والتصورات وهى التى تجعلنا نقرّ بأنّ البرامج التربوية والتعليمية غير المحييّنة والتقليدية لم تفلح فى تحصيننا من الجهل المركب، كما أن السياسات الثقافية والإعلامية والدينية فشلت فى أن تضطلع بمسئولياتها فى خلق أجيال لها ثقافة متينة تلمّ بمختلف الأبعاد التى تطرحها قضايا التعددية والتنوع الثقافى والغيرية والآخرية والاختلاف والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية وغيرها، واكتفت فى المقابل بالترويج لبرامج مأسسة «التفاهة». إنّ المسألة تتجاوز فى تقديرنا، الهجرة لتشمل منظوماتنا الفكرية والثقافية وسياساتنا المختلفة وأعطابنا عن الهوية وطرائق بناء العلاقات الاجتماعية وتصوراتنا للعلاقات الإنسانية وغيرها. ولا معنى لهذا التعاطى الأحادى والاختزالى والتبسيطى مع قضايا تطرحها الهجرة فى الظاهر، سوى أنّنا أصبحنا أشدّ رغبة فى محاكاة المهيمن/المستعمر/القامع... نستعيد خطاباته التحقيرية والمستعلية وندخل تصوراته للعالم فهناك شعوب تستحق الحياة وتسخر لها كل الإمكانيات وتذلل أمامها كل المصاعب وهناك شعوب تحوّلت إلى نفايات، أشياء فاقدة للصلاحية لابد من التخلص منها لأنّه لا خير يرجى من بقائها. ذاك هو الوجه القبيح الذى لا نريد أن نراه فى المرآة، وتلك هى الممارسات والجرائم المرتكبة التى ننفى حدوثها لأنّنا لم نفكك بعد أشكال ارتهاننا للفكر الاستعمارى ولسردية «نحن خير أمة».