الهيبة الجريحة
سامح فوزي
آخر تحديث:
الأربعاء 24 سبتمبر 2014 - 9:10 ص
بتوقيت القاهرة
فى التحقيق المطول الذى نشرته «الشروق» يوم الأحد الماضى عن «الجراجات» التى لا تكفى لاستيعاب السيارات، و«السايس» الذى يهيمن على الشوارع بلطجيا كان أو متسولا لتنظيم اصطفاف السيارات بجوار أرصفة الشوارع المكدسة.
هذه الظاهرة لم تعد حكرا على شوارع وسط العاصمة، لكنها موجودة تقريبا فى جميع الشوارع الرئيسية فى مختلف الأحياء. وامتدت من القاهرة إلى محافظات أخرى. لم يعد ممكنا أن تترك سيارتك بجوار رصيف أى شارع دون أن يظهر لك شخص يدعى أنه «السايس»، وعدد لا بأس منهم مسجل خطر.
مسئولية من؟ هل الأحياء أم الشرطة؟
فى هذه المسألة يبدو أن المسئولية تائهة. هناك أرصفة يؤجرها اليوم الحى لمن يدفع تحت مسمى أنها «ساحة». وهناك لافتات تعلق بهذا الشأن؟ وفى إحدى المرات أرانى الشاب الذى نصب نفسه مسئولا عن الرصيف صورة من إيصال سداد شهرى للحى الذى أجر له الساحة المزعومة. وهناك شوارع بأكملها قسمت إلى أرصفة، مسئول عن كل منها شخص يدعى أنه معتمد فى الحى، ويعلق لافتة «ساحة» فى المكان. فإذا كان الشخص بطلجيا فلماذا لا يأتى الحى لإزالة اللافتات التى يقوم بوضعها، ويفترى بها عليه، وإذا كان الحى بالفعل أجر لهذا الشخص الرصيف تحت مسمى «ساحة»، فما هى القواعد التى تحكم الأمر؟ هل يقوم الحى بتخصيصها عشوائيا، بحيث يتحول رصيف أى شارع بين عشية وضحاها إلى ساحة مفتوحة هكذا، بلا أمن أو ضوابط أو حتى حماية توفر للسيارات تبرر منطقيا أية مبالغ أو رسوم تحصل من المواطن؟ وهل من يقوم بإدارة الساحة الحى نفسه أم يعطيها لأفراد لا نعرف لهم هوية، ولا نستطيع تعقبهم فى حالة اتلاف السيارة التى يفترض أنها فى حوذتهم.
المسألة باختصار أن هناك فوضى فى الشوارع سواء بالبلطجة أو برعاية الأحياء. ومطلوب من محافظ القاهرة أن يعلن بوضوح عن القواعد التى تنظم هذه المسألة، وكذلك أسباب عودة القمامة. وإذا أردنا الحل ــ الإرادة مطلوبة ــ أن يقوم كل حى بمراجعة الشوارع الرئيسية فيه، ويعلن بوضوح قواعد اصطفاف السيارات بها بجوار الأرصفة، ثم يأتى دور الشرطة فى التصدى لأى شخص يفرض «إتاوات» على المواطنين فى الشارع.
بالطبع هذه القضية بها تشابكات كثيرة، بعضها يتعلق بالفساد، وبعضها الآخر يتعلق بالاسترزاق، لأن «السايس» يدفع لغيره، بنفس المنطق الذى جعل الباعة المتجولين يحتلون الشوارع الرئيسية فى العاصمة لشهور طويلة فى حالة تعايش سلمى بينهم وبين مختلف أجهزة الدولة.
تنظيم الشوارع هو العنوان الرئيسى والمباشر لما يطلق عليه «هيبة الدولة». فى أوروبا تتنسم الهيبة والانضباط الذى تجرى به مختلف قطاعات الدولة من الشارع المنظم، المنضبط، محل الاحترام من الجميع، ويد الدولة التى تبطش بمن يتعدى عليه أو يسىء إليه.